مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT
20

أحسن الله بنا أن الخطايا لا تفوح!

استمع إلى المقالة

يُقال إن صورتك عن نفسك هي صورة ضمن 4 صور عن ذاتك، تتداخل فيما بينها، ولا ندري (أو ربما لا يمكننا) معرفة الصورة الحقيقية.

لديك: أولاً صورتك لدى الآخرين التي يقولونها لك، وثانياً صورتك التي يعتقدونها حقّاً، لكن لا يصرّحون بها لك، وثالثاً الصورة التي تقولها أنت للآخرين عن نفسك، ورابعاً الصورة التي تعتقدها أنت حقّاً عن نفسك، لكن لا تخبر بها الآخرين، وربما، وهذا خامساً، الصورة الحقيقية الموضوعية عن ذاتك، التي لا تعلمها أنت ولا يعلمها الآخرون بتاتاً!

كم من الأفكار والخواطر التي تتمطّى داخل غرف عقولنا، لكن نحبسها، إمّا لأننا لا نعرف كيف نترجمها للخارج، وإما لأننا لا نريد ترجمتها للخارج، وهذه القدرة على التعبير والتمثيل هي التي تمنح الشاعر أو الروائي ميزته الفذّة لدى الناس، فهو «لسان حالهم».

قبل أيام أُعلن عن اكتشافٍ طبيٍّ تقني عظيم: السيدة آن معلمة رياضيات أميركية، عمرها 47 عاماً، فقدت القدرة على النطق بعد الشلل الذي أصابها بسبب نوبة قلبية قبل 18 عاماً.

أعلن باحثون أميركيون أن جهازاً مُعزّزاً بالذكاء الاصطناعي زُرع في دماغ آن مكّنها من تحويل أفكارها إلى كلام بصورة شبه فورية.

نظام الاتصال الجديد ابتكره فريق الباحثين بين الدماغ والكمبيوتر، وأُعلن عنه عبر مجلة «نيتشر نوروساينس»، ومن اللحظات المثيرة، هي حين عُرضت على آن في إطار هذه الدراسة جُمَل على الشاشة، من بينها مثلاً «أنت تحبني»، كانت تقولها بعد ذلك في ذهنها!

كانت هذه الجمل تُحوَّل بعد ذلك إلى نسخة مطابقة لصوتها، أُنشئت باستخدام تسجيلات تعود إلى ما قبل وقوع الحادث. كانت آن متحمّسة لسماع صوتها وكانت تشعر وكأنها تقمصت «بهذه الطريقة». كما جاء في التقرير.

تُرى لو استطاع العلماء، وربما أجهزة الشرطة والمخابرات، الوصول إلى هذه التقنية، كم من الجرائم سُتكشف، والأهم كم من الفضائح سُتنشر!؟

هل من الصواب أن يتعرّى البشر، فكرياً وخواطر، أمام بعضهم، بلا أي جيوب مخفية!؟

تخيّلوا لو انفضحت كل الأسرار!؟

أليس من دعوات العجائز: اللهم لا تفضح لنا سرّاً ولا تهتك لنا سِتراً؟

قال أبو العتاهية، قبل قرون وقرون:

أَحسَنَ اللَهُ بِنا أَن الخَطايا لا تَفوحُ

فَإِذا المَستورُ مِنّا بَينَ ثَوبَيهِ فُضوحُ

وبعدُ، فإن قصة السيدة آن تمثل جانباً مشرقاً من فوائد التقنية والثورة في الطب التكنولوجي أو التكنولوجيا الطبية، لكن ليست كل الجوانب بهذا الإشراق دوماً، ومن يعشْ يرَ.