عاش أنصار كرة القدم في الدول العربية ليلة استثنائية بعد إعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم رسمياً منح المغرب، بمشاركة إسبانيا والبرتغال، شرف استضافة نهائيات كأس العالم في 2030، وإسناد مهمة تنظيم النسخة التالية في عام 2034 للسعودية كأول دولة تحتضن ملاعبها 48 منتخباً دون ملف مشترك.
وأسفرت نتائج ليلة الخميس الماضي عن موعد جديد مع الضيافة العربية للمرة الثالثة خلال 12 عاماً، في تأكيد على أن صورة مشروع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بدأت تتشكل نحو جعل منطقة الشرق الأوسط في واجهة العالم، وبدرجة توازي ما تمتلكه قارة أوروبا من قوة اقتصادية وأهمية في مجالات التصنيع والتقنية واللوجيستيات.
وجاء ملف استضافة مونديال 2034 بمحتواه المبهر دليلاً على أن تصريحات الأمير القوي قبل نحو خمس سنوات لم تكن وعوداً بغرض الترويج الإعلامي أو الدعاية السياسية، بعدما قدمت السعودية رؤية لفتت الأنظار إلى أن تنفيذ اشتراطات «فيفا»، من خلال ترميم القديم لتغطية العيوب وسد الثغرات من أجل استضافة المباريات، لا يعني استفادة البلد المنظم على المدى البعيد من العائدات والإرث لتلبية الحاجة إلى التنمية، ما جعل الملف السعودي ينتزع إعجاب العالم بقدرته على تحقيق شروط التنظيم واستيعاب المناسبة الكبرى ضمن خطة بناء شاملة تراعي الاستدامة والاستفادة من إرث المونديال بوصفه جزءاً من مشروع متكامل للتنمية الاقتصادية والبشرية والبيئية والاجتماعية، وبالتالي خدمة السكان ورفع مستوى جودة الحياة، بطريقة وفرت على الحكومة عناء التخطيط، وتحمل أعباء موازنة جديدة للتعامل مع مرحلة ما بعد كأس العالم، للاستفادة من منشآت وملاعب ستتحول لاحقاً إلى أماكن شبه مهجورة تتطلب صيانتها تكاليف مالية مرتفعة.
وزاد حرص السعودية على تلافي أخطاء الدول المستضيفة من ترحيب عشاق كرة القدم بحصولها على حق تنظيم المونديال، حيث تبدو تجربة جنوب أفريقيا الأكثر فشلاً في الاستفادة من إرث المونديال، ما تسبب في خسائر مالية مستمرة بسبب تكاليف تشغيل وصيانة سلسلة ملاعب لم تكن البلاد بحاجتها، ولم تخطط لتشييدها إلا لغرض استضافة مباريات البطولة العالمية، ما جعل البعض يطالب بهدم ملعب غرين بوينت لتوفير تكاليف الصيانة السنوية البالغة نحو عشرة ملايين دولار، وهذا ما تجنبه الملف السعودي منذ البداية.
لم يكن التصميم اللافت لملاعب مونديال 2034 إلا سبباً من أسباب كثيرة للثناء غير المسبوق الذي ناله الملف، وبالرجوع إلى ما بثته وكالات الأنباء ونشرته وسائل الإعلام المتخصصة بعد ليلة الخميس، يتضح أنها تناولت الفوز السعودي بتوسع من جوانبه السياسية والاقتصادية والهندسية والتقنية، بعدما كان تركيزها ينصب في السابق على مناقشة الإشكالية السياسية أو الأمنية وتأثيرها على قدرة البلدان في تنظيم مباريات كأس العالم، كما حدث حين تم إسناد المهمة لدول مثل المكسيك في 1986، وجنوب أفريقيا 2010، وروسيا 2018 وغيرها.