طلال الحمود
إعلامي وكاتب سعودي، رئيس تحرير الأخبار الرياضية في قناة العربية.
TT

مستقبل «فيفا»

استمع إلى المقالة

بعد نحو عامين من إعلان السعودية عزمها الترشح لاستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم المقررة في عام 2034، وجدت الرياض نفسها أمام تحد كبير وسباق مع الزمن لتقديم ملف يلبي متطلبات التنظيم، وزاد من صعوبة المهمة أنها ستكون أول بلد يستقبل 48 منتخباً على أرضه بلا شراكة مع دولة أخرى، منذ قرر الاتحاد الدولي رفع عدد الفرق المشاركة بدءاً من المونديال المقبل.

ونشر «فيفا»، الأسبوع الماضي، التقييم الخاص بملف مونديال السعودية 2034، ولم تكن المفاجأة في تلبيته لمتطلبات التنظيم خلال وقت قياسي وفق كراسة الشروط، بقدر ما كانت في حصول الملف على أعلى درجة في تاريخ استضافة المونديال، متفوقاً على ما قدمته أميركا وكندا والمكسيك في ملفها الموحد لاحتضان نسخة 2026، ومتجاوزاً ما حققه تحالف إسبانيا والبرتغال والمغرب للفوز بتنظيم كأس العالم 2030، وجاءت ردة فعل «فيفا» الأقوى حين وصف محتوى الملف السعودي في خلاصة التقييم بأنه يبعث على الطمأنينة بفضل وضوح مفهوم الاستضافة ودقة التفاصيل.

وأشار «فيفا» في تقييمه إلى أن من عوامل تفوق ملف السعودية 2034 قدرته على مواءمة رؤية البلاد بشكل وثيق مع الأهداف التي حددها الاتحاد الدولي في استراتيجيته لنشر اللعبة، وزيادة المشاركة وخلق الفرص، ويبدو أن المنظمة الدولية لاحظت ارتباط مشاريع وخطط رؤية المملكة 2030 باستضافة المونديال من خلال تصاميم الملاعب الجديدة التي تراعي الاستدامة ومتطلبات حماية البيئة وجودة الحياة، فضلاً عن شبكة المواصلات والخدمات الصحية، وتوفير تقنيات اتصال حديثة، علماً بأن تقييم «فيفا» صنف السعودية ضمن أفضل عشر دول متقدمة في تقنية المعلومات.

ومع أن الاتحاد الدولي يواجه مصاعب في بعض الدول المترشحة لاستضافة بطولاته في مجالات الامتثال القانوني ومكافحة المنشطات وحماية البيئة، فإنه في تقييمه للمخاطر عدّ الملف السعودي منخفض الخطورة، بناء على التزام صريح في إطار قانوني شامل، ولعل مشروع تحديث الأنظمة ولوائحها في السعودية كان السبب الأهم في اطمئنان «فيفا» إلى أنه لن يعاني في الحصول على متطلبات الاستضافة، ولن يضطر إلى خوض معارك قانونية ضد جهات شريكة أو مستفيدة لتأمين الالتزام بتنفيذ العقود والتعهدات وحماية الحقوق.

وعكس تقييم «فيفا» لاستضافة مونديال 2034 ارتياحاً تاماً لما قدمته السعودية في ملفها، بعدما كان مسؤولوه في زيوريخ يأملون بأن يلبي الملف على الأقل المتطلبات المهمة، لاعتبار عدم وجود ملف منافس بديل بعد انسحاب أستراليا، غير أن مخاوف الاتحاد الدولي زالت، وزاد ابتهاجه بالحصول على شريك يمكنه تأمين استضافة مونديال من فئة الخمس نجوم، وبلا منغصات يمكنها أن تحد من تطور البطولة واستمرارها بعد زيادة عدد المنتخبات المشاركة.

الإشادة العالمية بمحتوى الملف السعودي عقب ظهور تقييم «فيفا»، جاءت نتيجة لعمل استثنائي قام به فريق في الرياض بإشراف مباشر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ما يعكس قوة الإرادة ووضوح الرؤية نحو مستقبل يعكس تطلعات الأمير، ويؤكد إصراره على أن تصبح السعودية في واجهة عالم جديد بدأ يتشكل بتقنياته الجديدة واحتياجاته المتزايدة، مع اهتمام سكانه بالحصول على حياة أفضل تلبي حاجتهم إلى الأمن والغذاء والصحة والتعليم بصورة مستدامة، والانتقال إلى عصر يصبح فيه كثير من المنغصات التي تعايش معها الكون لعقود طويلة، جزءاً من الماضي، وصفحة بالية طوتها البشرية بفضل صناع المستقبل وقادة التغيير من أصحاب الهمة والرؤية.