د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

التريث والتردد

أستمع لملخص

«تردد» كريستوفر كولومبوس لسنواتٍ قبل خوض غمار اكتشاف أميركا حتى نجح في إقناع الممولين لرحلته، و«تردد» نابليون في غزو روسيا خشية المخاطر الناجمة عن الثلوج والبرد القارس. وعلى النقيض «يتريث» القادة والدول عند اختيار ساعة الصفر في المعارك، بغية دراسة كل مسارات الأحداث المحتملة وتداعياتها قبل شن الهجوم العسكري.

التريث هو التمهل والتأني. نفسياً، يكشف لنا عن حالة من الثقة بالنفس والرغبة في اتخاذ قرار حكيم. ولذلك يميل المتريثون إلى الهدوء والتفكير المنطقي. وقد تريث النبي (صلى الله عليه وسلم) قبل فتح مكة، لينجح بحكمته في فتحها لاحقاً، بعد صلح الحديبية، من دون إراقة دماء.

من تكتيكات التفاوض، ترك المتخاصمَين يستنزفان قوتيهما، بعدها يكون قبول حلول وسط نتيجة حتمية لثمرات التريث. وقد اختارت الولايات المتحدة سياسة التريث (الاحتواء) مع الاتحاد السوفياتي بدلاً من المواجهة، وانتهت إلى سقوط الأخير عام 1991 من دون حرب نووية.

أما التردد فهو حيرة واضطراب في اتخاذ القرار، بسبب الخوف من الفشل أو عدم الثقة بالنفس أو المبالغة في التفكير. فالتردد يشكل حالة من القلق وعدم اليقين. ولذلك فإن المتردد قد يكون ضحية شح المعلومات أو الشك في مصداقيتها، كما قد يكون ذلك نابعاً من قصور في أداء مرؤوسيه الذين لا يضعون على طاولته ما يكفي لحسم القرار. وهذا لا ينفي أن بعض المترددين يخشون العواقب الوخيمة أو يفتقرون إلى «ثقة صانع القرار».

واقع الحال يشير إلى أن التريث غالباً ما يأتي بقرارات صائبة أو على الأقل مدروسة، لأنها تستند إلى التفكير العميق. في المقابل قد يؤدي التردد إلى ضياع فرص أو اتخاذ قرارات غير سليمة بسبب التأجيل غير المبرر، كالتأخر في إطلاق منتج جديد، سبقنا إليه المنافسون.

التريث عادةً ما يكون مدفوعاً بالرغبة في تقليل الأخطاء وفي حُسن الاختيار، في حين أن التردد مدفوع بالخوف وعدم القدرة على الحسم. ولذلك كان من ممارسات الإدارة الفعالة وجود فريق احترافي رديف لكبار المسؤولين، يُطلق عليه «مكتب الدعم الفني» أو (TSO) يمتاز بقدرته على تقديم الرأي الفني بسرعة قياسية.

التريث فضيلة محمودة، لكن التردد عائق إداري يَحول دون اقتناص الفرص. إذا طال أمد التريث، دخل في متاهة التردد.