لا حديث اليوم سوى عن الانتخابات الرئاسية الأميركية. يوم الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 تاريخ فاصل بين ما قبله وما بعده. مصير الأزمات والصراعات الدولية والإقليمية معلّق على نتائج هذا اليوم العظيم. فك شفرات التعقيدات الكبرى الدائرة في العالم بات في عهدة أحد المترشحين، إما دونالد ترمب وإما كامالا هاريس.
الجميع في انتظار برقية غير معلوم تفاصيلها، ولا معروف رسائلها، لكنها - قطعاً - ستضع خطّاً فاصلاً بين زمنين، ورؤيتين تختلفان في كل شيء، بدءاً من الداخل الأميركي، وصولاً إلى العلاقات الخارجية الأميركية مع العالم.
ثمة علامات استفهام تطرح نفسها حول ما تتضمنه برقية هذا اليوم، وإذا تجاوزنا القضايا الأميركية المحلية مثل الاقتصاد، والسياسة الداخلية، فإن هناك أسئلة ضاغطة وملحة: ماذا ستقول البرقية عن الحرب الروسية - الأوكرانية؟ وماذا ستحمل لإسرائيل - حليفة المرشحين - تجاه الحرب العدوانية على غزة ولبنان؟ وهل تحمل ذات البرقية منهجاً جديداً لخرائط الشرق الأوسط؟ وهل ستكون هذه البرقية استكمالاً آخر في ملف التنين الصيني؟ وهل ستحمل البرقية بصمات جديدة للتحالف على ضفتي الأطلسي؟
أصعب ما في برقية الخامس من نوفمبر هو الانتظار، تختلف قراءة البرقية حسب مصدر توقيعها، فهناك من يمتلكون حسابات مفتوحة مع ترمب، وهناك أيضاً من ينتظرون البرقية بتوقيع هاريس.
مصائر الملفات الحائرة على مسارح العمليات الدولية لديها عيون خاصة في قراءة التفاصيل.
الكرملين ينتظر - بالطبع - البرقية بتوقيع دونالد ترمب، لا سيما أنه تعهد بوقف الحرب الروسية - الأوكرانية خلال 24 ساعة من إعلان اسمه فائزاً مساء الخامس من نوفمبر، أي قبل تنصيبه رسمياً في العشرين من يناير (كانون الثاني) عام 2025. وقد تعهد بعدم إرسال الأسلحة والذخيرة إلى أوكرانيا، بل إنه وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه أمهر تاجر متجول يأتي إلى واشنطن، ويحصل على المليارات في المرة الواحدة، الكرملين يراهن على تجربة الولاية الأولى لترمب، إذ كانت العلاقات بينهما على ما يرام.
لا شك أن بوتين، رجل الـ«كي جي بي» بخبرته المتراكمة، لا يفضل أن يقرأ برقية بتوقيع هاريس، فحسابات موسكو تقول إن هاريس هي امتداد طبيعي لولاية جو بايدن، الذي أشعل شرق أوروبا بالحرب بين الإخوة السلاف، ودعا إلى ضم كييف إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، خصماً من الأمن القومي الروسي.
سطور أخرى في البرقية تتعلق بالحرب الأخطر في العالم، تلك التي تشنها إسرائيل على غزة وجنوب لبنان، فخط النار يزداد اشتعالاً واتساعاً وتمدداً، وإطفاء نيرانه مرهون بالساكن الجديد للبيت الأبيض. نتنياهو يفضل أن تأتي برقية الخامس من نوفمبر بتوقيع ترمب، فهو الصديق المقرب له، الذي تعهد بدعمه في جميع القرارات، في حين أن الأمر لا يختلف كثيراً لدى تل أبيب إذا جاءت أيضاً البرقية بتوقيع هاريس، لكن ما بين التوقيعين تسكن الحيرة والضبابية مصير الحرب الدائرة الآن في ظل الدعم الأميركي لإسرائيل من كلا المرشحين، لكن هل يفي ترمب بوعده بإيقاف الحرب إذا ما فاز؟ وهل تفي هاريس بوعدها حول تطبيق حل الدولتين إذا ما فازت؟
لم تبتعد كثيراً التوقعات بشأن الحرب على جنوب لبنان، ومن ثم فإن الغموض لا يزال يكتنف القرارات والتنبؤات حول موقف المرشحين من إيقاف الحرب، وتنفيذ القرار 1701 في لبنان.
لا يمكن قراءة البرقية المنتظرة من دون أن تقرأ سطورها المتعلقة بالشرق الأوسط، فحسابات واشنطن في كل الأحوال تنحاز لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في عواصم الشرق الأوسط، ونعتقد بأن السياسة الأميركية لن تتغير كثيراً تجاه الدول التي تقيم معها علاقات استراتيجية، وتعي جيداً دورها ومكانتها في النظامين الإقليمي والدولي،
في بروكسل، انتظار البرقية له وقع آخر، فدول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، تحبس أنفاسها خوفاً من أن تأتي البرقية بتوقيع ترمب، وتختلط الأوراق ويتصدع جدار التحالف القديم المتجدد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وترتبك حسابات بروكسل في العالم.
أما بكين، فهي جاهزة لقراءة برقية الخامس من نوفمبر بأي توقيع، فقد جربت من قبل دونالد ترمب، ومن بعده جو بايدن، ونائبته كامالا هاريس، فقد تحصنت الصين بقوتيها الاقتصادية والعسكرية، وتوازنها الدبلوماسي حول العالم.
إذن، وسط آلاف البرقيات اليومية، تظل برقية الخامس من نوفمبر هي البرقية الوحيدة التي يرتبط بها مصير النظام الدولي.