هيثم فيصل الغيص
الأمين العام لـ«منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)»
TT

في الدول المستهلكة... الضرائب تشكل أكبر نسبة من الأسعار في محطات الوقود

استمع إلى المقالة

لا يمكن للبشرية أن تزدهر من غير النفط الخام والمنتجات المشتقة منه. فبالنسبة للمستهلكين، يوفر النفط البنزين والديزل وأنواعاً أخرى من الوقود المستخدم في التنقل، كما يستخدم النفط لتصنيع البلاستيك والأدوية والإمدادات الطبية وغير ذلك من المنتجات الحيوية. أما بالنسبة للمنتجين، فالنفط كمورد طبيعي حيوي يوفر عائدات مهمة لاقتصادات وشعوب هذه الدول.

كثيراً ما نسمع أن الارتفاع في الأسعار يزيد من تكاليف الوقود، الأمر الذي يرفع من عوائد الدول المنتجة للنفط على حساب الدول المستهلكة. وقد تؤدي هذه الرواية إلى توجيه أصابع الاتهام بين المستهلكين والمنتجين بدلاً من الاتفاق على أن جميع الأطراف هم من أصحاب المصلحة في صناعة الطاقة، ولديهم احتياجات ومخاوف مشروعة. وعلاوة على ذلك، فإن هذه الرواية لا تتوافق مع الحقائق.

من المهم أن ندرك أن تحديد الأسعار الذي يدفعها المستهلكون حول العالم في محطات الوقود تعتمد على عدة عوامل، وهي سعر النفط الخام، وتكاليف التكرير، والتسويق، والنقل، وهوامش الأرباح لشركات النفط، فضلاً عن الضرائب التي تفرضها حكومات الدول المستهلكة. إن دراسة هذه المسألة بشكلٍ أعمق توفر لنا معلومات وحقائق جديدة في هذا الشأن.

فعلاً، بإمكان النفط أن يكون مصدر مجدٍ للعائدات، لكن عند تحليل هذا الأمر بتمعن نرى أن الدول الكبرى المستهلكة للنفط هي المستفيدة في المقام الأول من هذه العائدات عبر الضرائب التي تفرضها. على سبيل المثال، تجني اقتصادات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عائدات أكبر وبشكلٍ ملحوظ من مبيعات التجزئة للمنتجات البترولية مقارنة بعائدات الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) التي تجنيها من خلال بيعها للنفط.

فقد جنت اقتصادات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في الفترة بين عامي 2019 و2023 نحو 1.915 تريليون دولار سنوياً من خلال مبيعات التجزئة للمنتجات البترولية أكثر مما حققته الدول الأعضاء في منظمة «أوبك» من عائدات بيع النفط، ويعزى هذا الأمر إلى كون جزء كبير من أسعار التجزئة للمنتجات للبترولية هو عبارة عن ضرائب.

في الواقع، ارتفع متوسط حصة دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من إجمالي الضرائب في عام 2023 على سعر التجزئة النهائي، حيث بلغت حوالي 44 في المائة، بل تخطت هذه النسبة في بعض البلدان. وعلى مدار العام، بلغت الضرائب في عدد من الدول الأوروبية أكثر من نصف أسعار التجزئة النهائية.

يذكر أن «هيئة مسؤولية الميزانية» (OBR) في المملكة المتحدة أكدت على أهمية الضرائب مصدراً للعائدات، حيث قالت: «تفرض رسوم الوقود على مشتريات البنزين والديزل ومجموعة متنوعة من الوقود. وتشكل هذه الرسوم مصدراً مهماً للعائدات للحكومة. فمن المتوقع أن تجلب هذه الرسوم 24.7 مليار جنيه إسترليني في الفترة 2023 - 2024. وسيمثل هذا المبلغ 2.2 في المائة من إجمالي الإيرادات ويعادل 850 جنيهاً إسترلينياً لكل أسرة و0.9 في المائة من الدخل القومي».

لذلك، قد يرى العديد من المستهلكين الضريبة عاملاً أكثر أهمية وتأثيراً من السعر الأصلي للنفط الخام في هذا الشأن، خصوصاً عند الشعور بأي ضائقة.

بالنسبة لحكومات الدول المستهلكة، فهذه العائدات تعد عائدات مهمة تُجنى من خلال بيع المنتجات البترولية. وأما بالنسبة للدول المنتجة، فتقوم حكومات هذه الدول بإعادة استثمار جزء كبير من هذه العائدات في قطاعات الاستكشاف والإنتاج والنقل للصناعة النفطية حتى تتمكن من تأمين احتياجات العالم من النفط بشكلٍ مستمرٍ.

ولتوضيح هذه المسألة المهمة، أود أن أنوه بأن الدول المنتجة للنفط، وبغض النظر عن التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبنية التحتية وغيرها من التحديات التي تواجهها، لا يمكنها التمتع بالحرية المطلقة في صرف عائداتها، حسب احتياجات الدول والشعوب، حيث يتعين عليها أيضاً إعادة استثمار جزء كبير من الإيرادات في الصناعة النفطية من أجل تأمين الإمدادات التي يحتاجها المستهلكون في الوقت الحالي وفي المستقبل.

إن تطوير النظام الضريبي المناسب لكل دولة هو بلا شك حق سيادي، لكن عندما تثار المخاوف بشأن تأثير الأسعار المرتفعة في محطات الوقود على دخل الشعوب، يجب علينا جميعاً أن نتذكر حجم الإيرادات المالية لهيئات الضرائب وخزانات الدول المستهلكة في بعض أنحاء العالم.

وتؤكد هذه المستويات من الضرائب على الإدراك من قبل الدول المستهلكة على قدرة النفط ومنتجاته في توليد الإيرادات. فتستثمر حكومات هذه الدول هذه الإيرادات في الخدمات العامة لتقدمها لشعوبها. ففكرة توجيه أصابع الاتهام ضد المنتجين هي تشويه للواقع.

وختاماً، لا بد من الإشارة إلى أن بعض الحكومات تسعى إلى الاستفادة من النفط من خلال العائدات التي يمكن أن يجلبها، وتسعى في الوقت نفسه إلى التخلص التدريجي منه، وتطوير مصادر طاقة أخرى بدلاً منه. وفي هذه الحالة، هناك سؤال يطرح نفسه، وهو كيفية تعويض الإيرادات التي ستفقدها هذه الحكومات، إن تبنت هذا النهج، وفي هذا الصدد هناك تساؤل آخر، وهو هل ستفرض هذه الدول مستويات ضريبية مشابهة على مصادر الطاقة الأخرى أم لا؟

* الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)