يقال إن «نصف العلم أخطر من الجهل»، وهو ما كشفته نتائج دراسة صدرت الشهر الحالي من أن زيادة المعرفة لا تأتي بخير بالضرورة لعامة الناس ولا لرخائهم. فشيء من الجهل يفيد في تحقيق مكاسب حياتية ومهنية وتجارية فردية للعقلاء لكنه قد يؤثر على المجموعة.
في بواكير جائحة «كورونا» ارتدى الجميع كمامات للحفاظ على سلامتهم، وعندما أدرك البعض أن نوعاً معيناً من الفيروس لا يشكل خطراً، توقفوا عن ارتدائها مما زاد فرص انتشار المرض.
في عالم التأمين، إذا ما علمت شركة أن عميلها مريض، قد ترفض تأمينه، غير أنها لو غفلت عن تلك المعلومة فقد ينعم بتأمين أفضل، لكن ذلك سيضر المساهمين. والأمر نفسه يقع حينما نخفي الحالة الحقيقية لسيارتنا المستعملة التي نود بيعها، فتدفع الشركة المشترية قيمة أعلى لسلعة سيئة فينتقل الضرر لمساهمي الشركة.
الدراسة نشرت في أغسطس (آب) 2024 بعنوان «لعنة المعرفة: كيف يمكن للمعرفة أن تقلل من رفاهية الإنسان» لباحثين من جامعة كورنيل وكلية استوكهولم للاقتصاد. وقد قلبت مواجع من «ينخدعون» بالشهادات العليا والجامعية فيشاركونهم بالأنشطة التجارية، اعتقاداً منهم بالأفضلية، غير أن واقع الحال يقول إن من لديه العلم لا يضمن أن يجلب معه بالضرورة النجاح التجاري. فقد رأينا من غادروا من جامعة هارفارد بخفي حنين، فحققوا مليارات، منها مؤسس شركة «فيسبوك»، فضلاً عن مؤسسي «مايكروسوفت» و«Apple» و«فورد» ممن كانت شهادة الثانوية دافعاً هائلاً للتألق والنجاح.
ونشاهد في قرارات الاستثمار من يضعون العصا في الدولاب، بسبب تزاحم المعلومات والتحليلات في أذهانهم (المعرفة)، فتبطئ من اتخاذهم القرار، أو تجعلهم يترددون في أخذ مخاطر أعلى، ولو كانت مدروسة، فينخفض العائد المرجو بطبيعة الحال أو تضيع الفرص السانحة. ففي الاستثمار كلما ارتفعت المخاطرة ارتفع معها العائد.
أرى أن بعض الجهل مفيد، لأن يكبح جماح «الأنا». ويفيد شيء من الجهل في تولي آخرين لدفة القيادة. كما أن القيادي إذا صار ضليعاً بتفاصيل الأمور بحكم تخصصه فقد يميل نحو إبطاء سرعة الإنجاز في الإدارة، لانغماسه بالتفاصيل والكمالية عن الصورة الكلية. بعض الجهل يمنح آخرين فرصة للنمو والتطور. ومنه ما يدفعنا للاعتذار حينما نرتكب خطأ غير مقصود. من محاسن الجهل ببعض المعلومات أنه يجعلنا نتقبل وجهة نظر شريكنا في الحياة أو التجارة.
المعرفة ببواطن الأمور نعمة، لكن الكثير من المعلومات قد يشوش ذهن المرء، ويحجب عنه عفوية تقبل روعة الآراء من حوله. ومن المعرفة ما يفيد الفرد لكنه يضر الجماعة.