كيم باركر
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

المزيد من الأوكرانيين منفتحون على اتفاق سلام

استمع إلى المقالة

يبدو أن مزيداً من الأوكرانيين الذين يشعرون بالإحباط على نحو متزايد صاروا منفتحين على فكرة السلام عن طريق التفاوض، حتى رغم أنهم ما زالوا عاجزين عن إدراك ما يعنيه ذلك.

أظهرت استطلاعات الرأي أن أغلب الأوكرانيين ما زالوا يعارضون التنازل عن أي أراض لروسيا، ولا حتى شبه جزيرة القرم التي استولت عليها روسيا قبل 10 سنوات، ولكنَّ هذه الاستطلاعات والتصريحات الأخيرة لقادة البلاد تسلط الضوء أيضاً على تحول ملموس في الخطاب بشأن محادثات السلام -من عدم التوصل إلى اتفاق على الإطلاق إلى احتمال التوصل إلى حل وسط عند مرحلة ما.

في منتصف يوليو (تموز)، توصلت دراسة استقصائية أجرتها وكالة الأنباء الأوكرانية المستقلة (ZN.UA) إلى أن نحو 44 في المائة من المدنيين الأوكرانيين يفضلون الشروع في محادثات رسمية مع روسيا. وفي 23 يوليو، نشر معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع استطلاعاً للرأي أظهر أن ما يقرب من ثلث الأوكرانيين سيوافقون على التنازل عن بعض الأراضي لروسيا لإنهاء الحرب. وهذا العدد يزيد على ثلاثة أضعاف ما كان عليه في العام السابق.

قالت ناديا إيفاشينكو، (28 عاماً)، وهي مشغلة إشارات السكك الحديدية من منطقة كيروفوهراد الوسطى، إنها لا تستطيع وصف تسوية سلمية جيدة. ولكن زوجها يقاتل في الجيش منذ الغزو الروسي في فبراير (شباط) 2022، ولهما ابن يبلغ من العمر 5 سنوات لم ير والده منذ سنوات.

وأضافت تقول: «مات أناس كثيرون جداً، ولماذا؟ إنني أريد أن ينتهي كل شيء، على الأقل بطريقة أو بأخرى، لأن لديّ ولداً، ولا أريده أن يكبر في زمن الحرب كما هو الحال الآن».

في أوكرانيا، السنة الثالثة من الحرب مرهقة: الروس يتقدمون كل يوم، وأوكرانيا غير قادرة على شن هجوم مضاد ناجح منذ عام 2022، وقد عانت البلاد من انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي وارتفاع في عدد القتلى.

يبدو الدعم المستمر من الغرب غير متوقع، لا سيما إذا عاد دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في نوفمبر (تشرين الثاني). وسوف تخفض ألمانيا المساعدات العسكرية لأوكرانيا إلى النصف إذا اعتمدت ميزانيتها المقترحة لعام 2025، وهو ما يُنظر إليه على أنه حجر عثرة للالتزام الغربي، خصوصاً بعد التأخير الذي دام 6 أشهر في الولايات المتحدة لتسليم حزمة المساعدات العسكرية هذا الربيع.

تتكاثر الضغوط الدولية على أوكرانيا وروسيا للتوصل إلى نوع من الاتفاق، رغم أن الخبراء يتفقون على أن أياً من الجانبين غير مستعد. والعوائق أمام أي تسوية هائلة: روسيا تحتل نحو 18 في المائة من الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، وفقاً لمجموعة «ديب ستيت»، وهي مجموعة تحليلية ذات علاقات وثيقة مع الجيش الأوكراني.

في يونيو (حزيران)، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه سيأمر بوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات مع أوكرانيا فقط، إذا انسحبت كييف من المناطق التي تطالب بها موسكو -لكنها لا تسيطر عليها بالكامل بعد- وتخلت عن التطلعات للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. رفضت أوكرانيا الاقتراح بوصفه طلباً للاستسلام، وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه يريد أن تعود أوكرانيا إلى حدود عام 1991 وأن تحصل على مقعد في حلف شمال الأطلسي.

لم تُدع روسيا إلى سويسرا في يونيو لحضور أول قمة دولية للسلام، وهو تجمع يضم 92 بلداً يهدف إلى تعزيز رؤية أوكرانيا لكيفية انتهاء الحرب. ومنذ ذلك الحين، أشارت أوكرانيا علناً إلى أن روسيا لا بد أن تأتي إلى القمة التالية، وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية، أعرب زيلينسكي عن أمله في التوصل إلى حل دبلوماسي.

وأظهر الاستطلاع الذي أجراه معهد كييف زيادة بمقدار ثلاثة أضعاف في عدد الأشخاص الراغبين في التخلي عن الأرض في مقابل السلام، فقد وجد أيضاً أن 55 في المائة من الأوكرانيين يعارضون أي تنازلات على الأرض أياً كانت.

في الجنوب، وهي واحدة من أكثر المناطق تضرراً من الحرب، كان التغير في الموقف خلال العام الماضي لافتاً للنظر، كما أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد كييف. وقال أكثر من نصف المشاركين إنهم إمَّا يدعمون التخلي عن بعض الأراضي وإما أنهم غير متأكدين تماماً. وقال 46 في المائة فقط إنهم يعارضون أي تنازلات. وقبل عام، قالت نسبة 86 في المائة من سكان هذه المنطقة -التي تضم دنيبروبيتروفسك، وزابوريجيا، وميكولايف، وخيرسون، وأوديسا- إنهم يعارضون منح أي أراضٍ لروسيا.

قال ميكولا، (33 عاماً)، وهو من سكان أوديسا والذي لم يرغب في استخدام اسم عائلته لأنه كان يتجنب التجنيد العسكري، إنه يستطيع أن يرى التنازل عن شبه جزيرة القرم، التي تقع بالفعل تحت سيطرة روسيا، أو المنطقة القريبة من مدينة لوهانسك في شرق دونباس، جزءاً من الصفقة. لكنه أضاف: «بصفتي شخصاً يجلس في المنزل ولا يقاتل في ساحة المعركة، لا أشعر بأن لديَّ أي حق أخلاقي لأقول كيف يجب أن يبدو هذا الاتفاق».

إن تجميد خطوط المعركة من شأنه أن يترك المناطق المحتلة، التي تضم أقارب عديد من الأوكرانيين، تحت السيطرة الروسية إلى أجل غير مسمى. والمناطق التي حررتها أوكرانيا قاتمة للغاية، ومدمَّرة إثر الضربات الروسية، وتكثر فيها مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان.

لم يحدد استطلاع معهد علم الاجتماع حجم التنازلات الكبيرة، وما إذا كان ينبغي التنازل رسمياً عن الأراضي أو ما إذا كان ينبغي السيطرة عليها مؤقتاً من روسيا بطريقة أقل رسمية.

* خدمة «نيويورك تايمز»