بعد تعثر سبل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي عقب حادثة تحطمها، سارع أحد كبار المسؤولين إلى تطمين الرأي العام بأن إدارة الدولة بخير ولن تتأثر بالحادثة. يعرف العالم كله منذ فجر التاريخ مَن سيعقب مَن في قيادة دفة السفينة أو البلاد. وذلك ما تنص عليه الدساتير العصرية. والعالم المعاصر مدين لعلماء الإدارة، وفي مقدمتهم هنري فايول (1841 - 1925) أحد أبرز الذين أشاروا إلى حاجة المؤسسات لهذا المفهوم بعد تمدد الرقعة الجغرافية للشركات العملاقة التي أضحت بحاجة ماسة إلى معرفة مَن سيعقب مَن في الإدارة حتى لا تتدهور عملياتها، بحسب الباحث روث ويل في دراسته عام 2001.
تؤكد الدراسات الحديثة أن الشركات التي لديها خطط تعاقب قوية (succession plans) تحقق أداء أفضل على المدى الطويل، مقارنة بتلك التي تفتقر لهذه الخطط. ومنهجية التعاقب تضمن استمرارية العمل بسلاسة، فتخيل لو قرر نصف القوى البشرية حول العالم الاستقالة المفاجئة، أي صدمة ستحدث في الاقتصادات؟ وعندما نعرف على الورق وعبر اللوائح مَن سيعقب مَن سوف يجد قسم الموارد البشرية حاجة وسهولة لتأهيل المدير أو القائد المنتظر، عبر الدورات تارة، وعبر التكليف المؤقت تارة أخرى حتى «يشتد عوده» لتولي زمام الأمور بشكل رسمي. فما أكثر من صعق باختياره مديراً، وهو لا يفقه أبجديات الإدارة، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
إذن مجرد وجود خطة تعاقب يساعد على إيجاد بيئة تهتم بالموهوبين وأصحاب الخبرات، لأنهم بدلاء لكل منصب، وهم أركان الخيمة. ولذلك المؤسسات التي تعتني بأصحاب المناصب الحالية فقط تكون عرضة لتسرب الكفاءات، لأنهم ينسون الصف الثاني الذي سيحمل الراية من بعدهم.
ولذلك عندما نجتمع في أول مجلس للإدارة نتأكد من وجود خطة تتابع ولا نتركها لمزاج الرئيس التنفيذي (مع كل التقدير والاحترام)، فالناس بشر قد يميلون نحو عدم تعيين أكفاء لاعتبارات نفسية أو خلل في ثقتهم بأنفسهم، ليجعلوا مقاليد الأمور بيدهم، ولذلك يحتفظ مجلس الإدارة بتلك الصلاحية النهائية. وعادة لا يتم تعيين نواب الرئيس ولا المناصب المهمة في المؤسسات المعتبرة إلا بشروط يضعها المجلس أو الجهات الرقابية تجنباً للفوضى التي قد تقع، أو الفراغ الذي قد يحدث لاستقالة غير متوقعة. لا يمكن أن تطير طائرة، ولا يلعب فريق رياضي من دون خطة تعاقب، ولذلك ما أن يصاب لاعب كرة قدم حتى ينطلق بديله للإحماء استعداداً لدخول الملعب. وكذلك الحال مع قبطان الطائرة المساعد وقادة الجيش والشرطة والأندية، وفي سائر الشركات والمصانع والهيئات الحكومية المعتبرة. حتى في الحضارات القديمة كانت هناك أشكال بدائية من خطط التعاقب لاختيار الزعماء، وفي العصور الوسطى اتبع الإقطاعيون والأسر الحاكمة أشكالاً من التعاقب، وكذلك الحال في بواكير الثورة الصناعية.
غير أن التعاقب في عصرنا قد تطور بشكل مذهل. حيث صار يخضع لبرامج تدريبية تتعقب مدى وجود جدارات (competencies) مطلوبة في الصف الثاني، قبل توليهم مهاماً إدارية وقيادية. وهذه الجدارات تبنى عليها كل البرامج التدريبية، ويسهل قياسها بمؤشرات أداء. هكذا تصبح المؤسسات محصنة ضد الضياع وبعيدة عن التهديد المستمر بمغادرة خيرة كوادرها.