د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

مؤتمر دولي في هيوستن

استمع إلى المقالة

شارك كبار المسؤولين التنفيذيين والوزراء في فعاليات مؤتمر «سيراويك» للطاقة الذي انعقد في مدينة هيوستن بولاية تكساس الأميركية خلال الفترة بين 18 و22 من مارس (آذار) 2024.

يعد مؤتمر «سيراويك» السنوي أهم مؤتمر نفطيّ في العالم لمناقشة اقتصاديات وسياسات صناعة النفط العالمية، إذ تُناقَش خلاله أهم وأحدث قضايا الطاقة، ويركز على دورها المأمول، في تحقيق النمو الاقتصادي العالمي. وهيمنت مواضيع الطلب والانتقال إلى الطاقة النظيفة وسط التوترات الجيوسياسية على المحادثات بين أصحاب الثقل في الصناعة في المؤتمر الذي يلعب دوراً رئيسياً في إعلام جميع المشاركين في قطاع الطاقة أو المهتمين بتغطيته بالاتجاه الذي تتخذه الأحداث لبقية العام.

وكانت ذروة الطلب على النفط، إلى جانب الجغرافيا السياسية للنفط والغاز، محوراً رئيسياً خلال المؤتمر، وكذلك التعدين والحديث حول الذكاء الاصطناعي والتقنيات الجديدة الأخرى، وإعادة ضبط خطط الاستبدال السريع لمصادر الطاقة المتجددة بالوقود الأحفوري ، وضرورة التخلي عن خيار التخلص التدريجي من النفط والغاز. إذ إن ذروة النفط غير مرجَّحة لبعض الوقت في المستقبل، وذلك لأن مصادر الطاقة المتجددة لن تَحل قريباً محلّ الطلب على النفط والغاز، ولا حتى بحلول 2030؛ الموعد المستهدَف للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.

وفي عام 2024 أظهر المتحدثون في «سيراويك»، انحيازاً قوياً نحو إعادة ترتيب الأولويات فيما يتعلق بالمسائل المتعلقة بأمن الطاقة، واعتبار التخلص التدريجي من النفط والغاز غير واقعي في هذه الفترة المنظورة، إذ إن الجداول الزمنية الحالية لتحول الطاقة غير ممكنة، وهو ما يستدعي إعادة ضبط خطط الاستبدال السريع لمصادر الطاقة المتجددة بالوقود الأحفوري.

ولدى معظم حكومات دول العالم خطط للتحول نحو الطاقة المتجددة، غير أن كثيراً من الدول مدّت أمد الزمن المخصص للتحول، نظراً إلى التكلفة المرتفعة التي تتحملها. إذ يصل إنفاق أوروبا وأميركا إلى ما يزيد على تريليون دولار لبناء البنية التحتية، لتمكين الاستخدام واسع النطاق لوقود الهيدروجين فقط. وهذا يعزز وجهة النظر القائلة إنه ليس من المرجح الوصول إلى ذروة الطلب على النفط والغاز قريباً، ولا حتى بحلول عام 2030.

وتنعكس المخاوف المناخية في جلسات مؤتمر «سيراويك»، حول تكنولوجيا عزل الكربون والوقود الهيدروجيني، والتي أصبحت من بين الوسائل المفضّلة لدى صناعة النفط لمعالجة مشكلة الانحباس الحراري العالمي. ويعد دور الذكاء الاصطناعي في إنتاج الطاقة وانبعاثات الكربون، من الجلسات البارزة هذا العام، إذ إن عوامل وفرة النفط وسهولة استخراجه وتكريره ونقله ووجوده بأسعار معقولة، بلورت الدور المهم للخام منذ اكتشافه قبل عقود، حتى أصبح عنصراً رئيسياً يرتكز عليه الاقتصاد العالمي، وجزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية.

باتت منظمة «أوبك» تلاقي تأييداً واسعاً للصوت الذي ينادي بالعقلانية لإيجاد حلول واقعية، في وقت انتشرت معلومات مغلوطة غير مبنية على أسس علمية حول هذه المسألة، إذ إن انتشار تقارير حول التوقعات بالوصول إلى ذروة الطلب على النفط بحلول عام 2030، هي للأسف مبنية على أسس آيديولوجية تدفع باتجاه التخلي عن النفط والغاز والوقود الأحفوري بصورة عامة. وعند النظر إلى المستقبل ودراسة التغيرات المتوقَّعة، فإن «أوبك» ليست وحدها، بل هناك عدد من التقارير المهمة الصادرة عن جهات استشارية عالمية في قطاع الطاقة تؤكد استمرارية الدور المهم والمحوري للنفط في السنوات والعقود المقبلة، نتيجة النمو السكاني المتوقَّع أن يصل إلى 9.5 مليار نسمة بحلول 2045.

تجدر الإشارة إلى أن حجم الاقتصاد العالمي سيتضاعف عن مستواه الحالي بحلول عام 2045، وجميع هذه التطورات تؤكد أن العالم سيحتاج إلى جميع مصادر الطاقة المتوفرة، إذ من المتوقع أن يرتفع الطلب على الطاقة بمقدار 23 في المائة وسيصل الطلب العالمي على النفط إلى مستوى 116 مليون برميل يومياً بحلول عام 2045، وهناك سيناريو آخر في توقعات «أوبك» يفيد بأنه من الممكن أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى مستوى 120 مليون برميل يومياً بحلول عام 2045، ويجب تأمين استثمارات كافية لتوفير هذه المستويات الهائلة للطلب على الطاقة والنفط. ولتأمين الإمدادات اللازمة من النفط، يجب ضخ نحو 14 تريليون دولار لاستثمارها في مختلف أنشطة الصناعة النفطية بحلول عام 2045.

إن قطاع التنقيب واستخراج النفط يحتاج إلى 11.1 تريليون دولار استثمارات بحلول 2045 وفقاً لـ«أوبك»، التي ستسهم في أمن الطاقة وتطوير التقنيات المطلوبة لخفض الانبعاثات. إذ إن تأمين الإمدادات اللازمة من النفط التي يحتاج إليها العالم يتطلب ضخ مزيد من الاستثمارات في مختلف أنشطة الصناعة النفطية في ظل الزيادة المتوقَّعة في الاستهلاك العالمي للطاقة التي تشكل ركيزة أساسية لمواصلة زخم النمو الاقتصادي العالمي.

في الختام، وفي ضوء النقاشات التي دارت بين المشاركين في «سيراويك 2024»، تتبيّن أهمية وضرورة ضخ استثمارات كبيرة في الصناعة النفطية وصناعات الطاقة الأخرى مثل الهيدروجين والطاقة المتجددة والتقنيات المطلوبة لخفض الانبعاثات الكربونية، وذلك لضمان أمن الطاقة العالمي واستمرارية الإمدادات، إذ إن دور النفط الحيوي لا يقتصر على كونه مصدراً رئيسياً مهماً للطاقة، بل إن النفط ومشتقاته يدخل في صناعة أشكال الطاقة الأخرى مثل الطاقة المتجددة.