حزب الله يلجأ إلى القضاء في قضية قدح وذم ضد الإعلامية اللبنانية ديما صادق..
مفارقة شغلتنا طوال الأسبوع الماضي في لبنان نظرًا للمعاني المتناقضة التي يحملها هذا العنوان أو الحدث. فبالمعنى السياسي هي المرة الأولى التي يلجأ فيها الحزب إلى القضاء أو الدولة التي لطالما تصرف على أنه فوقها وغير معني بها ولا تشغله كثيرًا مسألة الحقوق والحريات فيها. وبالمعنى القانوني تبين أن القضية فارغة إلى حد يثير الدهشة، إذ كان الجزء الأساسي من الدعوى قائمًا على تعليق منسوب للزميلة صادق على السوشيال ميديا ظهر بسهولة أنه غير صحيح، فيما تستند باقي القضية إلى أسئلة طرحتها صادق في ندوات تلفزيونية عن شعار الحراك الاحتجاجي في لبنان ضد فساد الطبقة السياسية، وهو «كلهن يعني كلهن»، وشمول الشعار حزب الله..
فهل الضيق كان بسبب الأسئلة؟! أم من هوية الإعلامية؟! أم من شعار «كلهن يعني كلهن» والتجرؤ الذي حصل في قلب بيئة حزب الله ضده خلال هذا الحراك..؟!
لم يكن لجوء الحزب إلى القضاء لأنه ينشد عدالة لا يوفرها لخصومه، بل هو أصدر، بمعزل عن الدولة وقضائها، أحكامًا ونفّذها في حالات كثيرة سابقة، وفي حالة ديما صادق فهو شرع ينفذ حكمه من خلال الضجة التي أثارتها الدعوى ضد صادق، مع محاولات تكاد تكون منظمة لتحطيم شخصها ومصداقيتها وصورتها. مرة جديدة نشهد سعارًا عبر هاشتاغات وتعليقات وأخبار حاولت عزل هذه الإعلامية، وبالتالي من يشابهها.. فرغم الإقرار بضعف القضية قانونيًا، لم يثنِ هذا الأمر جيوشًا وأفرادًا إلكترونيين من محيط الحزب وماكينته التعبوية عن شن حملات تشهير وتدمير اجتماعي من خلال تناول هيئة الإعلامية ومظهرها وهويتها، وطبعًا ذاك النيل الجبان من سيرتها وافتعال أكاذيب لا تقف عند حد.
في هذه الحالة لا توجد قضية، لكن محاولة إقصاء وسيطرة اجتماعية.
هنا يصبح التشهير والكذب هو الحملة، وهو الهدف، وهو حكم أقسى من القضاء. فالجميع يعلم أن حزب الله لن يربح الدعوى لضعف مستنداته، لكن ما يحصل محاولة تأديب وتخويف للزميلة صادق التي تبدو وحيدة في هذه المجابهة؛ فهي لا تنتمي إلى فريق سياسي أو طائفي، وهذا بحد ذاته استضعاف لها وفق الحسابات اللبنانية، فهي ورغم التضامن الذي ظهر معها، لا تزال مجردة من دعم يحتاجه من يخوض مجابهة من هذا النوع في لبنان. كما كان لافتا أنه، ورغم تضامن فرقاء في فريق 14 آذار، فإن ذلك لم يحل دون التشكيك فيها في الكثير من المواقف والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي لمجموعات وأفراد من هذا الفريق تغمز بأنها موالية لحزب الله، وأن ما يحصل مفتعل.. في قضية الزميلة ديما صادق التي يقاضيها حزب الله. نحن حيال فرد تجرأ ولو نسبيًا على بيئته، وهنا الفرد امرأة معروفة، في مقابل حزب مسلح آيديولوجي يضع نفسه في مرتبة أقوى من الدولة سياسيًا واجتماعيًا وأمنيًا.
محاولات تسطيح القضية ليست سوى انعكاس لرغبة عميقة في الاستسلام لمنطق الأهل والطائفة.
حالة المواجهة التي حصلت بين ديما صادق وماكينة حزب الله أمر ليس ثانويًا أو تافهًا كما حاول كثيرون تصويره. إنه أمر يمس صلب معنى المجتمع المدني ومعه الحريات الشخصية والإعلامية، بصرف النظر عن الموقف السياسي أو الموقف من وسيلة إعلامية ما. نحن في لبنان نكاد نكون خسرنا كل شيء تقريبًا، فلا دولة ولا اقتصاد ولا أمن. بقي لنا ذاك الصوت الذي تكثر محاولات خنقه.
هذا هو القدر الذي نحاول أن نعانده..
diana@ asharqalawsat.com