العالم برمته تصيبه الحيرة في كيفية التعامل مع المأزق الإسرائيلي. منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وإسرائيل ترفض كل المبادرات والنداءات لوقف انتهاك القانون الدولي الإنساني في غزة، إسرائيل في هذه الحرب مزقت ضمير العالم وألقته في سلة المهملات!
السلطات الأممية الثلاث؛ الجمعية العامة باعتبارها برلمان العالم وسلطته التشريعية، مجلس الأمن كسلطة تنفيذية، أما السلطة القضائية فتقوم بها محكمة العدل الدولية. جميعها أصدرت قرارات لوقف الحرب ومنع تهجير سكان غزة وإدخال المساعدات، إن الصفة القانونية لهذه الأجهزة الدولية والبعد الأخلاقي لقراراتها، يضعان العالم لا سيما الدول الكبرى أمام أزمة غير مسبوقة لا يمكن إغفالها. إن مفاهيم القيم التي تحكم العلاقات بين الدول هي في قلب التساؤلات اليوم، ازدواجية المعايير لم تعد غير مقبولة فقط، بل أضحت مدعاة للسخرية! إن انهيار تلك القيم سيقودنا إلى فوضى ستلحق الضرر بالجميع وستكون الأمم المتحدة أول المتضررين، السؤال الملح: هل نعود لعهد «عصبة الأمم» ومآلات الحرب العالمية الثانية؟
فعلى خلفية تصعيد المواجهة العسكرية والكارثة الإنسانية التي تقع في غزة، نشأ وضع حرج يفترض عملاً فورياً لمنع تصعيد أمني إقليمي، كما شرح وزير الخارجية السعودي في مقابلة مع «سي إن إن» مؤخراً، وقال الأمير فيصل بن فرحان إن بلاده تتبنى «صفر تسامح تجاه النزاعات»، وتدعو لوقف نار فوري في قطاع غزة. فضلاً عن ذلك، وربما بسبب المواجهة المحتدمة ضد «حماس»، يجب التمسك بمسيرة السلام مع إسرائيل ومواصلة ربطه بفكرة حل الدولتين جنباً إلى جنب، فلسطينية وإسرائيلية، وحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني في ظل تعميق التدخل الأميركي. ورداً على سؤال عن عدم إمكان إقامة علاقات طبيعية دون مسار يؤدي إلى دولة فلسطينية قابلة للبقاء، قال الأمير فيصل: «هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق ذلك. لذا، نعم، لأننا بحاجة إلى الاستقرار. ولن يتحقق الاستقرار إلا من خلال حل القضية الفلسطينية».
تلك الجهود بدأها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، ففي مقابلة تلفزيونية مع محطة «فوكس نيوز» قال في إجابة عن ما الذي يلزم لتوافق على تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل:
«حسناً، هناك مقاربة من إدارة الرئيس بايدن للوصول إلى تلك النقطة. بالنسبة لنا تعد القضية الفلسطينية مهمة للغاية، نحن بحاجة لحل تلك القضية. هناك مفاوضات مستمرة بشكل جيد. وسنرى إلى أين ستؤول الأمور. نأمل أن تُفضي إلى تخفيف معاناة الفلسطينيين وإعادة إسرائيل كلاعب في الشرق الأوسط».
بعد اندلاع الحرب في 7 أكتوبر واصل ولي العهد جهوده الاستثنائية لوقف الحرب والعودة إلى مسار السلام والاستقرار في المنطقة. ساند العالم هذه الجهود وأشاد بها من خلال مجلس التعاون الخليجي، الجامعة العربية، منظمة الوحدة الأفريقية، منظمة المؤتمر الإسلامي، مجموعة «بريكس»، وبطبيعة الحال الأمم المتحدة.
إنّ الأحداث المروعة التي نشهدها في المنطقة عواقبها ستكون وخيمة من الناحيتين السياسية والاقتصادية على العالم، ولا يوجد حل بديل عن وقف الحرب في غزة والمضي قدماً لتنفيذ الفقرة العاملة 12 من منطوق قرار مجلس الأمن رقم 2720: «يكرر التزامه الثابت برؤية الحل القائم على وجود دولتين، حيث تعيش دولتان ديمقراطيتان، إسرائيل وفلسطين، جنباً إلى جنب في سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها، بما يتوافق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ويشدد في هذا الصدد على أهمية توحيد قطاع غزة مع الضفة الغربية في ظل السلطة الفلسطينية».
مع تسارع وتيرة الأحداث يبدو أن الموقف الفلسطيني يدرك أهمية الفرصة التي تلوح بين أنقاض غزة وعودة القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد السياسي العالمي، وهو ما يتطلب عقلانية مدروسة، والابتعاد عن خرافات دون كيشوت ومعارك طواحين الهواء.
من يوقف آلة الحرب في غزة ويقود مسيرة السلام المنشود في المنطقة يستحق عن جدارة جائزة نوبل للسلام.