إيران تعلن عن تشكيل 8 لجان لمتابعة وبحث عدد وأوضاع المفقودين والمصابين في حادثة منى. حتى الآن يعد الأمر منطقيا ونابعا من تحمل الحكومة الإيرانية لواجباتها ومسؤولياتها تجاه مواطنيها، فعدد من قضوا نحبهم في حادثة التدافع في مشعر منى من الإيرانيين ليس بالعدد البسيط، وهو ما يتطلب جهدا مضاعفا للتنسيق مع الجهات المعنية في السعودية.
لعل القارئ يتفق معي في هذه المنطقية، ولكنني أدعوه إلى متابعة هذا المقال حتى النهاية ليستنتج ما إذا كانت المنطقية بحتة أم اختلطت معها جوانب أخرى.
بدايةً، أستذكر مع القارئ تغريدة للدكتور طارق الحبيب؛ حيث أشار إلى أن السعودية استقبلت في آخر 36 سنة 70 مليون حاج، وكانت الوفيات 5 آلاف فقط، أي نسبة لا تتجاوز 0.00007 في المائة. وعلى الرغم من ذلك، فإننا نتفق جميعًا على أن مثل هذه الحوادث لا شك في أنها مؤثرة ولها وقعها على أقارب الضحايا. وعلى الرغم من النجاح الكبير للسعودية في إدارة الحج وخدمة ضيوف الرحمن والكثير مما لا يذكر مقارنة بالعدد الهائل الذي زار الديار المقدسة، فإن هذا الأمر لا يثنيها عن ضرورة إجراء التحقيقات ومحاسبة المقصرين والتعلم من الإجراءات المتخذة مستقبلاً، أيًا كان سبب تلك الحوادث.
هنا تكمن المنطقية، وبالتالي لا ضير في تشكيل لجان متابعة، والتنسيق بدورها مع الجهات المختصة، ولاحقًا انتظار التحقيقات وما ستسفر عنه.
«الحرس الثوري جاهز بانتظار الأوامر لاستخدام كل طاقاته المتاحة لتوجيه الرد السريع والعنيف في سياق تحقيق مطلب المرشد لدفع النظام السعودي لتحمّل المسؤولية تجاه كارثة منى الرهيبة واستعادة حقوق الحجاج الضحايا».
هنا ننتقل مع تصريح قائد الحرس الثوري بالقارئ الكريم إلى زاوية أخرى تتيح له رؤية كيف كان موقف النظام الإيراني ومسؤوليه، الذي ينم عن محاولة توظيف تلك الحادثة لأغراض أخرى، تجلت صورها في ربط ما حدث بملفات إقليمية عجز النظام الإيراني عن تحقيق نفوذ فيها.. فجاء الحديث هنا أن القوات المدربة لتنظيم الحج قد زُج بها في اليمن وترك تنظيم الحج للهواة وقليلي التدريب.
والحقيقة أنني لا أعلم شخصيًا كيف يمكن الزج بقوات عسكرية مدربة على القتال لتقوم بدور قوات أمنية وشرطية لتنظيم إدارة الحج، كما أن من تتم الاستعانة بهم من قوات الجيش، لديهم مسؤوليات مختلفة تمامًا وتدريب مغاير عن أولئك الذين يقومون بدورهم المشروع في إعادة الشرعية في اليمن من الانقلاب الحوثي.
أين الرد السعودي؟ يتساءل القارئ.. لم يحِن دوره بعد.
يزداد التشنج الآتي من النظام الإيراني ليصب جام غضبه على السعودية وقيادتها.
أين الرد السعودي؟ يتساءل القارئ.. لم يحِن دوره بعد.
تستمر تلك التصريحات لتكشف عن توظيف واضح لتلك الحادثة، واستدعاء أماني دفينة لدى النظام الإيراني، متمثلة في تدويل إدارة الحج، ورغبة في مناكفة المنافس الإقليمي له، وانتزاع عامل قوي من العوامل المعززة للموقف السعودي على مستوى العالم الإسلامي.
ولإعطاء هذا الجانب بُعدًا إسلاميًا، أشار العميد جلالي، رئيس هيئة الدفاع السلبي، إلى ضرورة التفكير في هذا التدويل. ولذا لا بد، كما يقول رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، من تقييم كيفية إدارة مراسم موسم الحج من قبل كل الدول الإسلامية ومنظمة التعاون الإسلامي وبرلمانات الدول الإسلامية.
أين الرد السعودي؟ يتساءل القارئ.. لم يحِن دوره بعد.
يستمر التوظيف الإيراني لهذه الحادثة، وممارسة مزيد من الضغوط على السعودية وتصعيد الموضوع على المستوى الدولي، حيث طلب الرئيس الإيراني حسن روحاني من الأمين العام للأمم المتحدة تنبيه السعودية إلى مسؤولياتها القانونية تجاه هذه الحادثة.
التهديد المباشر من قبل المرشد دفع بالسعودية، كما يرى النظام الإيراني، إلى إبداء التعاون، ولكنه غير كافٍ، وبالتالي من الممكن تصعيده عسكريًا في حال استمرار ذلك، كما يقول قادة الحرس الثوري.
أين الرد السعودي؟ يتساءل القارئ.. لم يحِن دوره بعد.
حتى كتابة هذا المقال، لا يزال هناك تدفق هائل من التصريحات الآتية من النظام الإيراني، ومحاولات جلية لتوظيف هذه الحادثة خدمة لمصالحه.
المنطق كل المنطق أن تتابع الحكومة الإيرانية هذه الحادثة في ظل أعداد الضحايا الإيرانيين. والمنطق كل المنطق كذلك في اتخاذ الأساليب المتعارف عليها بين الدول في التعاطي مع مثل هذه الحوادث دون السير بها إلى منحنيات أخرى ينجلي من خلالها توظيف واضح لهذه الحادثة. والمنطق كل المنطق في انتظار انتهاء التحقيقات والتركيز حاليًا على متابعة المصابين ونقل من قضى نحبه، بعيدًا عن تشنجات لا تعكس سوى توظيف مغرض لهذه الحادثة. فالاهتمام بهذه الحادثة أمر، والمبالغة في رد الفعل والتشنج أمر آخر لن ينطلي على أحد في إدراك مآربه وتوظيفه.
يستمر التشنج الإيراني، ويستمر القارئ قائلاً: أين الرد السعودي؟
هل جاء الرد السعودي يا ترى متشنجًا؟
خادم الحرمين الشريفين قال: «إن التصريحات غير المسؤولة والهادفة إلى الاستغلال السياسي لهذه الحادثة، وإحداث الفرقة والانقسام في العالم الإسلامي، لن تؤثر على دور المملكة العربية السعودية وواجبها الكبير ومسؤولياتها العظيمة في خدمة ضيوف الرحمن، وحرصها الدائم على لم الشمل العربي والإسلامي، ولن تسمح المملكة لأي أيد خفية بأن تعبث بذلك».
يتساءل القارئ: وماذا عن أماني النظام الإيراني في تدويل إدارة الحرمين الشريفين؟
خادم الحرمين الشريفين قال: «المملكة العربية السعودية التي شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، نذرت نفسها وإمكاناتها وما أوتيت من جهد، قيادة وحكومة وشعبًا، لراحة ضيوف الرحمن والسهر على أمنهم وسلامتهم».
بين التشنج والردود المنطقية تتجلى المآرب ويتجلى التوظيف.
TT
حادثة مشعر منى بين المسؤولية والتوظيف السياسي
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة