لقد فرض الواقع المأساوي المهيمن في فلسطين نفسه على معظم شعوب العالم العربي والغربي، حتى ضاقت الدول الداعمة لإسرائيل ذرعاً فأضحت سيفاً مسلطاً على رقابها، والأحداث التي تجري في المدن الفلسطينية، خاصة في غزة فاقت كل التوقعات والتقديرات لما فيها من عنف وحشي ودمار وإمعان في قتل شعب أعزل معظمهم أطفال. فأين العدالة الإنسانية وأين العدالة الدولية؟! هل عمت أبصارهم وماتت ضمائرهم؟!!
أما في لبنان فقد أرخى هذا الواقع الأليم والمعقّد بظلاله على الشعب اللبناني الذي بات كئيباً يائساً خاضعاً لضغوطات نفسية أهم أسبابها الأوضاع السائدة فيه من ضائقة مادية مجحفة وأوضاع اقتصادية مرهقة ومشاكل اجتماعية صعبة وغيرها من المشاكل التي تنعكس سلباً على الإنسان اللبناني المحب للحياة لتجعل الأجيال تنمو في بيئة مأساوية، خاصة جيل الشباب الذي يفقد الأمل في مستقبل مشرق ليصبح همهم الأوحد الهجرة أو الانتحار. لذا فهل الصحة النفسية للإنسان اللبناني على ما يُرام؟!
للموسيقى تأثير كبير على الصحة النفسية، وهي متنفس لتحرير المشاعر والتعبير عن الذات، بالإضافة لكونها خياراً ترفيهياً، إلا أن الاستماع للموسيقى ينعكس بشكل إيجابي على الصحة النفسية، وقد أكّدت الأبحاث والممارسات تأثير الموسيقى على الصحة النفسية للإنسان والحيوان وحتى النبات، حيث أظهرت الدراسات أن الاستماع إلى الموسيقى يمكن أن يقلل من هرمونات التوتر ويساعد على تهدئة المشاعر والاسترخاء، فالموسيقى تساعد على إفراز مادة السيروتونين وهي المادة الكيميائية المسؤولة عن الشعور بالسعادة في الدماغ، ما قد يؤدي إلى تحسن المادة المزاجية والشعور بالإيجابية، حتى في بعض الأحيان يمكن أن تكون الموسيقى الحزينة عاملاً فعالاً في تحسين الشعور والتغلب على المزاج السيّئ.
الموسيقى هي لغة التعبير العالمية تحيا عند كل الشعوب وتشكّل هوية خاصة للمجتمعات، خاصة الموسيقى الفولكلورية، فهي تتعلق بثقافة الإنسان وطريقة عيشه ولباسه كما تعكس طريقة تفكيره ورؤيته للحياة، وترقى بالإنسان إلى درجات السلام الروحي والنفسي والجمالي والإبداعي فالموسيقى غذاء الروح والحس المرهف.
تُعرف الموسيقى بأنها مجموعة من الألحان التي تتآلف بتناغم مع بعضها لتشكل هيكلاً عاماً يُسمى الموسيقى. وإذا عدنا إلى تاريخ التطور التاريخي لمعنى كلمة «موسيقى»، فإن علماء الحياة الموسيقية يعتقدون أن أصل كلمة «موسيقى» هو يوناني، تعود في أصلها إلى الإغريقيين وتعني في الزمن القديم «الفنون». والحضارات القديمة كالحضارات اليونانية والهندية والمصرية تعمّقت في الموسيقى، إذ دمجتها في الطقوس الدينية وعبادة الآلهة، لذا جعلوا منها مرتبة يصعدون بها نحو الارتقاء والمحبة. كما أخذت بُعداً إضافياً عند المتصوفين فأصبحت تُنسب إليهم حتى سُميت «الموسيقى الصوفية» وهي موسيقى تعبّدية روحيّة مستوحاة من أعمال شعراء الصوفية المسلمين أمثال جلال الدين الرومي وحافظ الشيرازي، فهي دواء للروح والشجن.
بينما ذكر أهل العلم أسباباً كثيرة لتحريم الموسيقى ومنها أن الاستماع إلى أصوات هذه الآلات وسيلة تشغل عن ذكر الله فلا يجتمع في قلب المؤمن حب القرآن وحب كلام الشيطان، فالغناء يؤدي إلى النفاق في القلب.
ويؤكد حكيم الهند القديم كونفوشيوس على مدى أهمية الموسيقى فيقول: «إذا أردت أن تتعرف في بلد ما على إرادته ومبلغ حظه من الحضارة والمدنية، فاستمع إلى موسيقاه».
كما قال أفلاطون: «من حزن فليستمع للأصوات الطيبة وإن النفس إذا حزنت خمد منها نورها فإذا سمعت ما يطربها اشتعل فيها ما خمد. الموسيقى هي قانون أخلاقي يمنح الروح للكون ويمنح أجنحة للعقل، تساعد على الهروب إلى الخيال، وتمنح السحر والبهجة للحياة».
وقال جبران خليل جبران في قصيدته المواكب 1918 «أعطني الناي وغنِّ - فالغنا سر الوجود».
وجاءت مقولة عن ابن خلدون: «أحد مؤشرات سقوط الحضارات كان تدني الحس الغنائي الموسيقي في المجتمع».
لا يوجد تاريخ حقيقي وواضح حول نشأة الموسيقى لكن من المعتقد أنها ظهرت مع الإنسان البدائي، حيث يعود تاريخ الموسيقى إلى عصور ما قبل التاريخ حين استخدم الإنسان أدوات نحت وثقب لصنع الآلات الموسيقية، وقد وجد علماء الآثار آلة الفلوت «مزمار» من العصر الحجري القديم منحوتة من العظام مع ثقوب جانبية فيها. وقد وُجدت أقدم أكبر مجموعة من الآلات الموسيقية في الصين ويعود تاريخها إلى ما بين عامي 6000 و7000 ق.م. ومن المرجّح أن أول آلة موسيقية كانت صوت الإنسان نفسه كالصفير والدندنة والغناء والتثاؤب والسعال وغيرها.
وعن العمق التاريخي والأثري للموسيقى وبداياتها من أرض الرافدين والحضارة السومرية الأولى، حيث إن السومريين هم أول من دوّن النوتة الموسيقية، كما يقول الباحث في علم وتاريخ الأديان والحضارات القديمة خزعل الماجدي عن طريق المقاطع الكتابية المسمارية. وبحسب موسوعة «ويكيبيديا» العالمية، فإن بارثولوميو كريستوفوري الإيطالي مخترع آلة البيانو وصانع آلات موسيقية أخرى منها آلة موسيقية خاصة به في عام 1709 م.
بينما كان تطور الموسيقى في البلدان الأوروبية لافتاً وقديماً، إذ يعود ظهورها إلى 500 ميلادياً بعد أن ظهرت في الأديرة والكنائس، حيث شاعت الترانيم والصلاة فازدهرت الموسيقى واتخذت شكلاً جديداً. فكانت في عصور ما بعد الميلاد، وتحديداً في الأعوام ما بين 1750 و1800 م، إذ تطورت تطوراً رهيباً وظهرت «سيمفونيات» ثم انتقلت إلى شكل جديد من أشكال الموسيقى وتُعرف بـ«الموسيقى الكلاسيكية»، ولعل أبرز أعلامها هايدن وموتزارت، وظهرت في أحياء أوروبا الغربية. لكن في أوائل القرن التاسع عشر حدث انقلاب جديد من بناء الهيكل الموسيقي وتحولت من الكلاسيكية إلى الرومانسية بقيادة المؤلف والموسيقي العبقري بيتهوفن.
نتساءل: هل الإنسان اللبناني بحاجة للعلاج بالموسيقى من أجل تحسين صحته النفسية في هذا البلد المثير للجدل (لبنان)؟!!