الحرب في أفغانستان لا تنتهي، وكذلك نفوذ «طالبان». الحركة دخلت في سباق وصراع مع تنظيم داعش، الذي يتمدد في أفغانستان، فكان سقوط «قندوز» عاصمة الإقليم الشمالي، الأمر الذي أوقع حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني في إحراج لم يسبق له مثيل، إلا أنه كشف أن الصراع في أفغانستان، دخل آفاقا جيو - سياسية جديدة قد لا يكون للأفغان أنفسهم دور كبير فيه، أو تحقيق أي مكسب منه.
بعد حصار ثلاثة أشهر دخلت «طالبان» قندوز، وفيما الأنظار مركزة على هذا المحور أعلنت «طالبان» أنها احتلت ثلاث مناطق إضافية في إقليم «تخار» المجاور، فسيطر مقاتلوها على مناطق «عشق أميش» و«قلعة ينجي» و«حي بنغي». وإذا تأكدت هذه المعلومات فإنها تعني أن مقاتلي «طالبان» لا يريدون فقط السيطرة على مدينة قندوز، إنما على الشمال الأفغاني بأكمله، فهم يسيطرون الآن على إقليم قندوز باستثناء «إمام صاحب» بعدما سقطت في أيديهم منطقة «خان آباد»، ويسيطرون على بضع مناطق في «بدخشان» وكثير من مناطق «بغلان».
بيانات «طالبان» وسرعة الهجوم من ثلاثة محاور على قندوز، يؤكدان أن الحركة خططت ونسقت على أعلى المستويات، ثم إن المُلا الجديد أختر منصور بسيطرته على إحدى أكبر المدن الأفغانية منذ الغزو الأميركي عام 2001، يظهر نفسه بأنه زعيم سياسي قوي وقادر، بالإضافة إلى أن نائبه سراج الدين حقاني والقائد العسكري الذي تعتبره الولايات المتحدة من ألد الأعداء، أثبت أن بإمكانه وبنجاح أن ينسق هجمات متعددة على مسارح قتالية منفصلة.
في بيانه الأول بعد احتلال قندوز، طلب المُلا منصور من حكومة غني الاعتراف بالهزيمة وعدم توجيه الاتهامات إلى أجهزة استخبارات خارجية (المقصود باكستان)، وألا تلجأ إلى القصف العشوائي، بل عليها أن تعترف بتقدم «المجاهدين» كحقيقة مرة، وأن تفكر بمستقبلها ومستقبل البلاد كلها.
الدول المحيطة والمعنية بأفغانستان تحركت، كما تحركت القوات الأفغانية التي كانت انسحبت إلى مطار قندوز، وشن سلاح الجو الأميركي غارات، لكن لم يكن واقعيا ما قاله دولت وزيري الناطق باسم وزارة الدفاع الأفغانية يوم الاثنين الماضي، من أن المدينة سيتم تحريرها خلال ساعات.
بعد الإعلان عن موت المُلا عمر قوي تنظيم «القاعدة» وأكد ولاءه لـ«طالبان». من جهة أخرى ثبت تنظيم داعش موطئ قدم له في أفغانستان، وكشف بالتالي عن انقسام عميق داخل «طالبان»، حيث كان فيها من يرفض اتفاق وقف إطلاق النار، ويرفض بالتالي البدء في حوار مع كابل.
فكرة الحوار تعود إلى المُلا أختر منصور عندما كان نائبا للملا عمر، لكن بسبب ضغوط قادة المقاتلين في «طالبان» الذين يرفضون الحوار، وبسبب رفض مناوئيه سياسة الحوار، ما كان منه إلا أن تخلى عنه. وقد يكون احتلال قندوز محاولة إقناع هؤلاء القادة بأن «الجهاد» مستمر في أكثر من منطقة داخل أفغانستان.
وَمِمَّا زاد من قوة و«شرعية» المُلا منصور أن زعيم المعارضة الرئيسي المُلا عبد القيّوم ذاكير، السجين السابق في غوانتانامو، والذي عاد إلى ساحة المعركة بعد إطلاق سراحه، أعلن دعمه للملا منصور، وهذا الدعم دفع بالكثيرين إلى تقديم ولاءهم لخليفة المُلا عمر. ثم إن نائب منصور، حقاني إضافة إلى إدارته لـ«شبكة حقاني»، فهو من المؤثرين في تنظيم «القاعدة»، وكان يشارك في اجتماعات مجلس الشورى التابع له.
قد يكون تبسيطا للواقع ربط تحالف «القاعدة» و«طالبان» بمنصور وحقاني فقط، لأن للاثنين عدوا مشتركا هو «داعش» الذي بدأ منذ منتصف العام الماضي يشن هجمات داخل أفغانستان، ويفرض سيطرته في المنطقة الشرقية. ومع تبلور ذلك السيناريو كان من المؤكد أن أفغانستان تتجه إلى حقبة أخرى من الحرب. وجاء الآن احتلال قندوز في الشمال مع الأخذ في الاعتبار أن المقر الرئيسي وموقع قوة «طالبان» هو قندهار في الجنوب، فأعاد إلى السطح الكثير من السيناريوهات التي تُدرس، ومن الاتصالات التي جرت أخيرًا.
في مايو (أيار) الماضي وقّعت وكالتا الاستخبارات الباكستانية والأفغانية، اتفاق تعاون مشتركا ينص على أن الوكالتين ستتعاونان لتخليص بلديهما من خطر الإرهاب. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تصنف حركة «طالبان» الأفغانية حركة إرهابية، لكن باكستان وأفغانستان مستمرتان في تصنيفها حركة إرهابية، وأعمالها إرهابية. هذا الاتفاق الأول من نوعه، جرى خلال الزيارة إلى كابل التي قام بها الرئيس الباكستاني نواز شريف برفقة قائد الجيش الجنرال رحيل شريف ورئيس جهاز الاستخبارات الجنرال رضوان أختر. في تلك الزيارة نددت حكومة باكستان بـ«طالبان».
هناك القليل من الأدلة التي تؤكد على أن الاستخبارات الباكستانية أو باكستان ككل، توقفت عن دعم «طالبان»، وقد ربط كثيرون الخطوة التقاربية بالعلاقة الوثيقة التي تربط باكستان بالرئيس الأفغاني، ويقول بعض المراقبين إنه ما كان يمكن لأشرف غني أن يصل إلى الرئاسة لولا دعم باكستان. وهناك أمر آخر، أن الحديث كان يدور حول انسحاب للقوات الأميركية من أفغانستان، وبالتالي فإن باكستان لا تتحمل أن تقف ضد «طالبان»، بل تحاول تسهيل إعادته إلى المسرح السياسي تمهيدًا لإيصاله إلى المشاركة في السلطة. كما أن الاتفاق الاستخباراتي الأفغاني - الباكستاني كان ردًا على التغيير السريع الذي شهدته المنطقة، إذ مع تزايد اهتمام الصين والهند وروسيا وإيران بأفغانستان، كان من الصعب على باكستان أن تبقى الطرف الأخير والمعزول، كونها تدرك أن أميركا وحلفاءها لن يتخلّوا عن أفغانستان نظرا لأهميتها الحيوية في استراتيجية واشنطن للقرن 21. ورغم قولها إنها تعتبر «طالبان» أفغانستان حركة إرهابية، إلا أنها لم توقف دعمها لفريق سراج الدين حقاني، اللاعب الرئيسي الآن في احتلال قندوز ومناطق شمالية.
وحسب المراقبين، فإن الاتفاق الاستخباراتي بين الدولتين أشار إلى تباعد ما بين «طالبان» أفغانستان وإسلام أباد، إذ إن باكستان تضايقت جدًا عندما اختار وفد من «طالبان» عام 2014 أن يزور بكين بدلا من إسلام أباد، ويطلب من الصين أن تلعب دورًا في تسهيل انتقال سياسي في أفغانستان، وتقول تقارير إن: «طالبان» دفع بالصين إلى الضغط على باكستان لتغيير دورها.
التطور الأخير باحتلال قندوز ستكون له تداعيات بالنسبة إلى الولايات المتحدة. الشتاء بدأ تقريبا في أفغانستان، وقد استبق مقاتلو «طالبان» شدته لمعرفتهم بأن الحروب البرية تتوقف خلاله. لكن في حال تصاعد الصراع داخل أفغانستان، فإن أميركا لا بد أن تجد الفرصة مواتية للبدء في تطبيق شروط «الاتفاقية الأمنية الثنائية» الموقعة بينها وبين أفغانستان، وهي تسمح بزيادة عدد القوات الأميركية هناك. وحسب الاتفاقية فإن من أبرز شروط تفعيلها، كما جاء في النص، تصاعد العنف أو ما يسمى بـ«تدهور الوضع الأمني».
وكان الوضع الأمني تدهور فعلا بسبب معارك «طالبان» و«داعش». وفيما خَص الموقف الأميركي فقد بدأ يتغير عندما صرح القائد العسكري الأعلى في أفغانستان بأن الرئيس باراك أوباما يعيد النظر في خطة الانسحاب من أفغانستان، بعد كثرة التقارير التي أشارت إلى تغلغل لافت لـ«داعش» هناك.
كما أكدت تقارير «طالبان» والمسؤولين الأفغان عن تحالف مستجد بين «طالبان» وإيران ضد «داعش». وأكد مسؤولون في كابل أن هذا التحالف أصبح واقعًا اليوم، وأنه مسألة وقت قبل أن يتوسع مع انضمام جهات فاعلة إقليمية ومن خارج الإقليم. ومع تمدد «طالبان» إلى شمال أفغانستان وتمدد «داعش» إلى شرقها، فإذا لم يتم دحر الطرفين، فإننا سوف نرى باكستان تحاول تأمين مصالحها، وإن حركة «طالبان» هي القوة الوحيدة التي لباكستان علاقة تاريخية بها.
إن وجود القوات الأميركية في أفغانستان، و«طالبان» و«القاعدة» يحاربان «داعش» وأيضا الولايات المتحدة، إضافة إلى الدور الجديد لإيران، فإنه من المثير معرفة من سيأخذ المبادرة في تشكيل وقيادة التحالف الجديد، ولا بد من مراقبة ردود فعل الصين والهند دفاعًا عن استثماراتها، وكذلك مراقبة الموقف الروسي.
8:2 دقيقه
TT
«طالبان» تستأنف «الجهاد» بتحالفات جديدة لمواجهة «داعش»
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة