من المقرر أن تكون القمة العربية - الأفريقية التي تنعقد في الرياض فاتحة شراكة واعدة من أجل إيجاد حلول عملية لدعم تطوير علاقات التعاون العربي - الأفريقي من جهة واللحاق بركب القوى الدولية الصاعدة والمؤثرة في الساحة الأفريقية من جهة أخرى. وتسعى القمة إلى تحديد مجالات التعاون وبناء رؤية مشتركة لمشاطرة المعرفة والخبرة وتحديد المشاريع والأطر التي تسهم في تنمية العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف بين الدول العربية والدول الأفريقية.
ففي ظل التحولات الجيوستراتيجية التي يشهدها النظام الدولي، تعمل الدول العربية في إطار جماعي وبجهود دؤوبة على تنويع شركائها الاستراتيجيين. وقد أتاح ذلك لها فرصاً لإقامة شراكات استراتيجية واعدة مع العديد من الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي في العديد من المجالات. وفي هذا السياق ولأهمية الدول الأفريقية للدول العربية بحكم الجوار وللأبعاد الإنسانية والثقافية والدينية أصبح من مصلحة الطرفين التشاور لإيجاد وسائل لتسوية النزاعات الإقليمية التي تحيط ببعض الأعضاء لتأثيراتها السياسية والاقتصادية المتشابكة عليهم، أخذاً في الاعتبار حرص الطرفين على التنمية وإرساء الأمن والاستقرار، لما لها من مساهمات إيجابية في استقرار وتحسين النظام العالمي.
الأهداف من القمة العربية - الأفريقية
عودة الروح للعلاقات العربية - الأفريقية: هدف تسعى له الدول العربية، خاصة بعد فترة منذ آخر قمة عربية - أفريقية في 2016، وفي ذلك إظهار فعلي للاهتمام العربي تجاه أفريقيا وزيادة التعاون بشأن الأولويات العالمية المشتركة، وتشمل هذه الأولويات التي تساعد على معالجة مهددات:
- الأمن كقضايا الصراع ومكافحة الإرهاب.
- الاستقرار كقضايا الفقر والتعليم والصحة والأمن الغذائي وقضايا التنمية وأزمة الديون والقضايا ذات الأبعاد الدولية كتغير المناخ والهجرة والمساعدات.
الشراكة المتساوية: للتأكيد على مبدأ الشراكة المتساوية والاستفادة من التعاون التجاري والاقتصادي وفرص الاستثمارات، وهي أمور يمكن أن تساعد القارة على تحقيق أهدافها الخاصة المتعلقة بالبطالة والكفاءة الاقتصادية، وتساعد الدول العربية في الفرص الواعدة في هذه القارة، وتأمين المصادر التمويلية اللازمة لتنفيذ المشاريع المشتركة في مختلف المجالات.
وتأتي أهمية القمة لما احتلته أفريقيا من مكانة مهمة للدول العربية؛ حيث تربطها علاقات تاريخية وثقافية واجتماعية ومخاطر مشتركة، وكانت بداية التعاون العربي - الأفريقي بتأطير ذلك عبر إيجاد روابط الشراكة والتعاون مع الدول الأفريقية، خاصة أن القارة الأفريقية تمتلك مقومات تنوع كبيرة، وتقدم فرصاً استثمارية واقتصادية نوعية. وهي تشكل في نظر العديد من القوى الكبرى هدفاً لمشاريعها الاستثمارية، غير أن الدول العربية للقرب الجغرافي والتقارب والجوار وتشابه القضايا تحوز أفضلية على غيرها من الحكومات والتكتلات الدولية.
والتعاون العربي مع أفريقيا هو جزء من سياسات واضحة تستهدف بها الدول العربية تعزيز التفاعل وتبادل المصالح مع الأطراف الأخرى للاستفادة من التطورات الإقليمية والدولية في المسرح الدولي عبر الانفتاح خارجياً على التكتلات والدول غير العربية، والانخراط الإيجابي مع الدول الأفريقية من زوايا سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، وأن تطوير ذلك سيسهم في تبني رؤية استراتيجية تساعد على وجود مخطط له لدعم العلاقات مع الدول الأفريقية على الأصعدة كافة.
إن من مبادئ الشراكة في العلاقات الدولية، توفر الرغبة المشتركة والموارد والفرص والتحديات المشتركة، وهي أمور توفر أرضية صلبة لشراكة استراتيجية مثمرة وطويلة الأمد بين الدول العربية والأفريقية. ويعمل الطرفان على توسيع جوانب هذه الشراكة لتشمل مجالات الاستثمار والتجارة والطاقة والتكنولوجيا المتقدمة والتصنيع والصحة والرياضة والثقافة، علاوة على التحديات التي تواجه هذه الدول في مجال تكريس الاستقرار السياسي والأمني ومكافحة الإرهاب.
كل ذلك سيمهد الطريق لشراكة عربية أفريقية واعدة وفاعلة ومستدامة. وتبرز الحاجة هنا لانخراط أكثر نشاطاً للدبلوماسية العربية في جهود تطوير الحلول وتسوية القضايا والنزاعات والخلافات التي تعانيها بعض دول القارة حتى تتوسع دائرة الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، الأمر الذي يوفّر الضمانات الكافية لاستمرار الشراكة المثمرة، ويمكّن من جني ثمارها لأبناء العالمين العربي والأفريقي على السواء.
وستكون لذلك آثار إيجابية. فللجانب العربي، فإن تعزيز التعاون مع القارة الأفريقية اقتصادياً وسياسياً بشكل قوي وفكر يختلف عن القوى العالمية التقليدية التي كانت تهيمن على القارة الأفريقية، ستكون له فوائد جمة كما سيكون له نهج مربح لكل الأطراف، خاصة حيال زيادة الخطوات الحالية لعدد من الدول العربية التي كانت لها أدوار إيجابية في المساعدة في تسويات وحلول سياسية لأزمات معقّدة، كما أن بعض الدول العربية طوّرت مشاريع مهمة ليس فقط في قطاعات الموارد الطبيعية والمعادن الثمينة، ولكن أيضاً في قطاعات البناء والصناعة والخدمات في جميع أنحاء القارة.
هذه العلاقة العربية مع القارة الأفريقية قائمة على مصالح متبادلة حقيقية؛ حيث تسعى الدول العربية بجهود متواصلة لتطوير تعاونها مع الدول الأفريقية، ويهدف الكثير منها أيضاً إلى المساهمة في أهداف التنمية المستدامة للدول الأفريقية. وبذلك، فإن فرص خلق مفهوم الشراكة المتكافئة هذه، والنهج المربح لكل الأطراف سيولدان ديناميكية جديدة للدول الأفريقية.
وستكون القمة العربية - الأفريقية باستضافة من المملكة العربية السعودية تأكيداً على دورها في ترسيخ مبدأ العمل الجماعي في سبيل بناء مستقبل أفضل للمنطقة والعالم، مع ازدياد دورها الدولي ولثقلها السياسي وتأثيرها الاقتصادي وكونها عنصراً فعالاً في إيجاد الحلول والتقدم بالمبادرات، وبداية تأسيس لمرحلة جديدة قائمة على شراكة حقيقية، قوامها المصالح الاستراتيجية المشتركة، لإدراكها أن استتباب الأمن والاستقرار في أي منطقة لا يتحقق إلا من خلال التعاون والتشاور بين الدول والسعي نحو تحقيق التنمية، وفي سبيل ذلك اتخذت خطوات لدعم الكثير من الدول للتغلب على التحديات ووضع أسس للتنمية المستدامة، مع التوسع في إقامة الاستثمارات والمشروعات الاقتصادية المشتركة؛ حيث إن أثر هذه المشروعات أكبر في تعميق الصلة الحقيقية بين العرب والأفارقة.
*الأمين العام المساعد للشؤون السياسية
في جامعة الدول العربية