الحوكمة (Governance) هي مجموعة السياسات أو القواعد أو الأطر التي تستخدمها الشركة لتحقيق أهداف أعمالها، وهي تحدد مسؤوليات أصحاب المصلحة الرئيسيين، مثل مجلس الإدارة والإدارة العليا. على سبيل المثال، تقدّم حوكمة الشركة الرشيدة الدعم لفريق العمل عن طريق تضمين سياسة المسؤولية الاجتماعية للشركة في خططه.
واتخذت وكالة «فيتش» قرارها خفض التصنيف الائتماني لأميركا إلى (AA) من (AAA) بسبب المخاوف المالية وتدهور الحوكمة الأميركية، بالإضافة إلى الاستقطاب الذي انعكس جزئياً في أعمال الشغب التي حصلت في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، وكانت وكالة «فيتش» قد أقدمت على الخطوة التي فاجأت المستثمرين، بقرار خفض التصنيف الائتماني لأميركا، والتوقع للتدهور المالي على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ومفاوضات الحد الأقصى للديون التي تهدد قدرة الحكومة على سداد فواتيرها.
وهي المرة الثانية في أكثر من عقد التي تتعرض فيها أميركا لخفض تصنيفها، بعد إجراء سابق قامت به وكالة «ستاندرد آند بورز» في عام 2011، واستندت الوكالة في قرارها جزئياً إلى التدهور الملحوظ في الحوكمة الأميركية، والذي قالت إنه أعطى ثقة أقل في قدرة الحكومة على معالجة قضايا المالية العامة والديون، إذ إنه انعكاس لتدهور الحوكمة. وهو واحد من أمور أخرى عدة منها سقف الديون، وكذلك أعمال الشغب التي حصلت في الكابيتول في السادس من يناير 2021.
جاء خفض تصنيف «فيتش» بعد ثلاثة أشهر تقريباً من التوقيع على اتفاق لرفع حد الدين قبل أيام فقط من توقع تخلف أميركا عن سداد الدين القومي، إذ حذرت «فيتش» آنذاك من أن الدين المتزايد وعدم قدرة الكونغرس على إدارته بطريقة منتجة ومسؤولة، يشكلان تهديدات للجدارة الائتمانية لأميركا، مما يؤدي إلى خفض تصنيف «فيتش» درجة واحدة فقط، ما يعني أن أميركا لم تعد صاحبة ما تُعرفه «فيتش» بأنه أعلى جودة ائتمانية.
وأصبح الدين العام الأميركي يقارب 130 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفي حال عدم قيام الكونغرس برفع سقف الدين، فإن أميركا ستدخل في إجراءات استثنائية. وفي حال تفاقمت أزمة سقف الدين فسيؤدي ذلك إلى عدم الثقة في الحكومة والبنوك ويشكّل أثراً سلبياً على الاقتصاد الداخلي ونمو الاقتصاد، كما سيؤدي إلى فقدان هيبة الدولار والاقتصاد الأميركي. وفي الوقت الذي يترقب الاقتصاد الأميركي ومن خلفه الاقتصادات العالمية الكبرى، الحالة التي وصلت إليها أزمة ارتفاع سقف الدين القومي الأميركي واحتمالات تفاقم العجز؛ ترى دوائر السلطة المالية في أميركا أن تفاقم الوضع الحالي سيؤدي لكوارث كبرى تتخطى الحدود الأميركية، وأنها أزمة موقوتة تهدد الاقتصاد الدولي.
إن الحكومة الأميركية ستضطر لتحديد أولويات الإنفاق، وسوف يعاني الكثير من الأعمال الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على قروض حكومية، وبالتبعية سوف يغلق الكثير من الشركات أبوابها، كما أنها لن تكون قادرة على اقتراض الأموال للسداد، بمعنى أنها لن تستطيع إصدار سندات جديدة لتمويل العجز في الموازنة. وتحت هذا السيناريو، فإن الاقتصاد الأميركي سيعاني زيادة كبيرة في الفائدة على السندات، وستعاني أسواق المال الأميركية والعالمية خسائر فادحة، وأيضاً سيعاني الاقتصاد الأميركي الركود.
وهنا عندما لا تتمكن أميركا من تسديد فواتيرها في الفترة المستحقة، ستُخفض وكالات التصنيف الائتماني تصنيفها دولياً، وستفقد الأسواق الأميركية الموثوقية الدولية، وسيهبط مؤشر الدولار وأيضاً سيكلف هذا السيناريو الاقتصاد الأميركي فقدان وظائف وثروات الأسر، وسيرتفع معدل البطالة، ولا يحتاج الأمر لعناء التفكير لمعرفة أنه حال تعرض الاقتصاد الأميركي للركود، فسوف يعاني منه العالم أجمع، بوصف أميركا أكبر اقتصاد في العالم.
وفي الختام، وبعد أن اقتربت أميركا من الحد القانوني للديون ببلوغها 31.4 تريليون دولار، بدأت وزارة الخزانة في تفعيل إجراءات استثنائية لمواصلة سداد التزامات الحكومة، وتعد هذه الإجراءات أدوات محاسبة مالية تحدّ من بعض الاستثمارات الحكومية لتتمكن من مواصلة سداد فواتيرها، ولكن من دون رفع السقف، وفي حال تخلفها عن سداد ديونها، وما قد ينجم عنه من أزمة اقتصادية عالمية تؤثر على مستقبلها العالمي.