توقع «البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد» أن ينضم ما يتراوح بين 15 و20 دولة إلى نظام الدفع والتسوية الأفريقي، مما يسمح لها بالتخلي عن الدولار في معاملاتها الأفريقية، حيث إن نظام الدفع والتسوية الأفريقي يسمح للدول الأفريقية بالتداول فيما بينها باستخدام عملاتها المحلية، إذ أعلن رئيس البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد أن المنصة الجديدة بدأت عملياتها التجارية مع تسجيل أكثر من 9 دول، علماً بأن نظام الدفع والتسوية يستخدم أسعار صرف الدولار حالياً، في وقت تعمل فيه البنوك المركزية لتطوير آلية لسعر الصرف من شأنها أن تسمح للعملات الأفريقية البالغ عددها 42 عملة بأن تكون قابلة للتحويل فيما بينها.
والنظام الجديد للدفع والتسوية، الذي اعتمده الاتحاد الأفريقي باعتباره منصة الدفع والتسوية في أفريقيا، يدعم تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، إذ ينضم عدد كبير من الدول الأفريقية للنظام الجديد، نظراً للصعوبات التي تواجه الدول الأفريقية في توفير الدولار، مما زاد الزخم للانضمام لنظام الدفع الجديد، من أجل أن تقل الضغوطات المالية بالتحول للتداول بالعملات المحلية فيما بينها.
إن ارتفاع الدولار يزيد أسعار السلع والخدمات المقومة به على كل الدول من حائزي العملات الأخرى، ويخلق أزمات تمويلية للدول التي تعتمد على الاستيراد بشكل كبير، وهو ما انعكس على الدول الأفريقية بشكل واضح يصعب معه الاستمرار، ورغم توقف ارتفاع مؤشر الدولار، وتوقف الفيدرالي الأميركي في آخر اجتماعاته عن رفع الفائدة، فإن القوة الشرائية للدولار ما زالت مرتفعة وسط أزمة في طرق توفير الدولار للدول الأفريقية، مع شح السيولة في الأسواق الدولية.
أمام هذه التداعيات، تسعى جميع الدول لتقليل الضغوط المالية عليها من خلال التخلي عن جزء من معاملاتها التجارية بالدولار، في الوقت الذي تسعى فيه الصين وروسيا وفرنسا ومعهم دول «البريكس» والدول العربية والأفريقية والدول النامية، لتأسيس نظام مالي دولي جديد، لا يعتمد بالضرورة على الدولار الأميركي عملة رئيسية في التبادلات التجارية والمالية، إذ إن تراجع هيمنة الدولار الأميركي قريب مع صعود اليوان الصيني، فيما أعلن بنك جيه بي مورغان أن علامات تراجع الدولار تتكشف في الاقتصاد العالمي.
كما تدرك الصين أنها لن تصبح القوة الاقتصادية العالمية المنافسة لأميركا إذا احتفظت باليوان عملة غير قابلة للتحويل، إذ إنه من الخطر على الصين مواصلة الاستثمار باحتياطات في السندات السيادية الأميركية، حيث إن هناك بنوكاً كبيرة تراقب تراجع هيمنة الدولار على الصين وروسيا و«البريكس»، فيما يحذر الخبراء الاقتصاديون من المخاطر التي يتعرض لها الدولار، ومكانته كعملة احتياطية عالمية، فضلاً عن الآثار المحتملة على الاقتصاد الأميركي، إذ إن استمرار السياسة المالية الحالية سيؤدي في النهاية إلى تراجع سوق السندات، وسيتم تداول عدد أقل من المعاملات الدولية بالدولار، وستزيد البنوك المركزية الأجنبية من خفض حيازاتها من الأوراق المالية المقومة بالدولار، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة بشكل كبير وفقدان هيمنة الدولار في التجارة الدولية.
تجدر الإشارة إلى أن العالم يترقب استعدادات عقد قمة منظمة «البريكس» المقبلة في جنوب أفريقيا، حيث من المتوقع إنشاء عملة مشتركة، وهو أحد أهم الموضوعات الرئيسية على جدول الأعمال، حيث ناقش وزراء خارجية دول «البريكس» في كيب تاون بجنوب أفريقيا نهاية الشهر الماضي، الأدوات التي تمتلكها المجموعة لإقامة النظام الاقتصادي الدولي الجديد، ومناقشة الاستخدام المحتمل للعملات البديلة لحماية بنك التنمية الجديد التابع للكتلة من العقوبات، وإزالة الدولرة في التجارة على نطاق أوسع، وطرح مفهوم عملة «بريكس» الموحدة، لأول مرة، مع أفكار تشمل ربطها بالذهب أو بسلة من السلع أو بعملات دول «البريكس».
في الختام، هناك عدد من العقبات تقف في طريق إنشاء مثل هذه العملة، وأعتقد أنه سيتم التغلب عليها في الفترة المقبلة، إذ يجب تسوية اللوجيستيات أو الجوانب الفنية المتعلقة بعملة «بريكس» أو المجموعة الأفريقية، حيث إن ذلك يتطلب التزاماً جاداً للغاية، ليس فقط من هذه الدول، ولكن من الدول التي تقدمت بطلبات الانضمام، إذ إن هذه الدول ترى العملة المشتركة ليس كأداة رد فعل للعقوبات، ولكن كعملة لتنمية التجارة داخل المجموعة، وبمجرد قيام «البريكس» بذلك أو المجموعة الأفريقية، ستجد العملة قاعدتها الطبيعية إلى حد كبير مثل اليورو.