وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

التضحية بالنفط من أجل المناخ

استمع إلى المقالة

أصدرت إحدى الجهات الحكومية في كندا يوم الثلاثاء سيناريوهات متوقعة لإنتاج البلاد في ظل تطبيق سياسات المناخ، كانت نوعاً ما صادمة، بل مخيفة.

فبحسب «CER»، وهي الجهة المسؤولة عن تنظيم قطاع الطاقة في كندا، فإن إنتاج البلاد سينخفض بنسبة 76 في المائة خلال 30 عاماً لو تمسك العالم بسيناريو الحفاظ على الزيادة في حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية، وهو السيناريو الرئيسي في اتفاقية باريس للتغير المناخي.

طبعاً، لماذا لا نستغرب مثل هذه السيناريوهات؟! لأن الجهة الكندية قالت إنها استخدمت مدخلات السيناريوهات بناءً على دراسات وأرقام وكالة الطاقة الدولية، وهنا لا أريد أن أكون أحد الأصوات ضد الوكالة والتي أحترم وجودها حتى وإن كانت الكثير من آرائها لا تبدو منطقية، ولكني أوردت هذا لأبيّن خطورة التقارير والدراسات التي تصدر عن الوكالة وأي جهة أخرى مماثلة لها.

المكتب الكندي كان واضحاً، وقال إن هذه ليست توقعات وليست مقترحات للسياسة النفطية الكندية، أي أنها لا تعدو عن كونها سيناريوهات، ولكنها سيناريوهات مقلقة كما ذكرت في البداية.

الآن، لنتخيل صدق هذه السيناريوهات فهذا معناه أن كندا التي رفعت إنتاجها إلى 5 ملايين برميل يومياً العام الماضي لن تستطيع الحفاظ على هذا المستوى بعد عقد أو عقدين من الزمن، وهنا نتكلم عن انخفاض كبير في دخل كندا من النفط.

في نظري، سواء أرادت كندا تقليص نفطها والامتثال للاتفاقيات الدولية والمعاهدات أم لا، فإن الواقع يقول إن كندا التي تنتج أحد أسوأ أنواع النفط ملاءمة للبيئة، وهو النفط الكندي الثقيل، لن تستطيع زيادة إنتاجها مهما فعلت خلال هذه الفترة؛ ولهذا فإن التضحية التي يحاول الكل رسم سيناريوهات حولها هي في الواقع ليست تضحية، ولكنها تراجع طبيعي للإنتاج.

ليست كندا وحدها التي ستشهد تراجعاً في الإنتاج، بل الولايات المتحدة وروسيا والكثير من الدول التي نراها اليوم في قوتها النفطية. ولعل روسيا هي أكثر الدول التي تتحدث عن خفض الإنتاج الطوعي، بينما في الحقيقة فإن روسيا كذلك تواجه مشاكل فنية في إنتاجها، وهذه المشاكل ستتفاقم مع الزمن، خاصة مع خروج العديد من شركات خدمات الحقول النفطية من روسيا مثل «شلمبرجير» و«بيكر هيوز» وغيرهما.

هناك واقع مؤلم ينتظر العالم، وهو مرتبط بصورة كبيرة بعدم قدرة الشركات على ضخ المزيد من النفط من الحقول القديمة، ولن ينقذ العالم سوى تقنية أخرى وثورة أخرى مثل النفط الصخري، ولكن حتى ثورة النفط الصخري لم تعد قادرة على إنقاذ العالم. فهل نعدّ كل ما نسمعه عن التضحية بالنفط من أجل المناخ حقيقة؟

الخلاصة هنا، ما لم يحدث هبوط كبير في الطلب خلال العقود الثلاثة المقبلة، فإن العالم عليه أن يتعامل مع أسعار طاقة مرتفعة، وستظل دول «أوبك» هي التي تضخ النفط لباقي العالم.