من البديهي الحديث عن الوشائج الوثقى بين الاستقرار والسلام؛ لأنهما الطريق المثالية للتعامل مع النزاعات وحلها بشكل ملائم يتناسب مع المبادئ والقيم للأفراد والدول، وقد مهدت هذه القرارات الطريق ووسعت نطاقها أكثر فأكثر، والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة تعملان على إصلاح الخلل وترميم العطب وأعلنتا عن توقيع القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على الالتزام بحماية المدنيين في السودان.
ونحن نرى اليوم إلى أين قادت الصراعات في السودان، ومدى خطورة الوضع المتأزم الذي وقعت فيه البلاد، وكشفت وزارة الخارجية في بيان إعلامي عبر «واس» عن «أن المملكة أنهت تنفيذ كامل عمليات الإجلاء الإنسانية لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من جمهورية السودان؛ والتي جاءت بتوجيهات ومتابعة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وسمو ولي العهد - حفظهما الله -، واستجابة للطلبات التي تلقتها المملكة من العديد من دول العالم، وشملت عمليات الإجلاء الإنسانية التي نفذتها المملكة، 8455 شخصاً (404 مواطنين، و8051 شخصاً ينتمون إلى 110 جنسيات)، تم إجلاؤهم بواسطة مجموعة من سفن القوات البحرية الملكية السعودية وطائرات القوات الجوية الملكية السعودية.
كما ساعدت المملكة دولاً شقيقة وصديقة في عمليات إجلاء (11.184) شخصاً من رعاياها إلى المملكة ومن ثم إلى أوطانهم، وقدمت لهم كامل الرعاية والمتابعة طوال عمليات الإجلاء وبعد وصولهم إلى أراضيها ووجودهم فيها وحتى مغادرتهم لها».
والمساعدة السعودية في إجلاء الدبلوماسيين الأمريكان والإيرانيين وغيرهم من الجنسيات الأخرى، كان لها أصداء واسعة تتسم بالشكر والامتنان على الصعيدين الدولي والإقليمي من المسؤولين في الولايات المتحدة والخارجية الإيرانية، فمن جانبه قال السفير البريطاني لدى السعودية نيل كرومبتون «إن المواطنين البريطانيين الذين قامت السعودية بإجلائهم من السودان يشعرون بالأمان في المملكة، وممتنون للدعم السخي الذي تقدمه السعودية للبريطانيين وغيرهم ممن تم إجلاؤهم من السودان إلى جدة»، ومثل هذه الاعتبارات تجد لها مكاناً رفيعاً ومرموقاً على مستوى العالم وتخبر بأن السعودية دار للسلام.
يليها في الأحداث استضافة المملكة، ممثلين عن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لمحادثات تمهيدية في جدة، بوقف لإطلاق النار، وأعرب الطرفان عن تحملهما مسؤولية رفع المعاناة عن الشعب السوداني، بما يتضمن الاتفاق على الإجراءات الأمنية لتسيير وصول المساعدات الإنسانية العاجلة واستعادة الخدمات الضرورية لمن هم في حاجة إليها.
بينما القتال يتواصل والمحادثات جارية بين ممثلي الجيش والدعم السريع، وسيظلون في المملكة للمفاوضات التي ستركز على آلية تنفيذ إعلان جدة، وعبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن أمله في أن يؤدي «اتفاق جدة» إلى «بدء عمليات الإغاثة بسرعة وفي أمان». ودعا مجدداً إلى وقف إطلاق نار فوري، وإلى «محادثات لوقف دائم للقتال».
في حين أن بوسع الآمال السودانية أن تتفاءل بقبول الطرفين الجلوس في السعودية؛ لما لها من مكانة خاصة في قلوب السودانيين جميعاً، وقد حضرت المملكة بقوة في المشهد السوداني منذ أفول نظام البشير، وتهيئة المناخ للاستقرار والسلام، داعمة خيارات السودانيين في الانتقال إلى الحكم المدني بعد عقود من حكم العسكر تحت عباءة الحركة الإسلامية.
لو نحينا كل الأسباب جانباً لهذه الحرب، لا ينبغي أن نغفل دور وحضور الدبلوماسية السعودية وبحث خطر الأزمة؛ فهي تعمل على إيجاد مَخرج للسودان من هذه الحرب وشبح التقسيم ودخول قوات خارجية؛ لأن دورها محوري وعميق، بحكم قربها ومعرفتها بطبيعة وظروف وخصوصيات المجتمعات السودانية، والاختلافات بين أهل النيل، وأهل الشرق، وأهل الغرب، وخلافاتها وصراعاتها التي أدت إلى حشد الاتجاهات والميول السياسية والاجتماعية إلى انفجار الأوضاع، ومن يعمل بينهم على نشر الفوضى لتحقيق مآرب خاصة.
من ناحية أخرى، قد يكون هناك مَخرج لهذه الأزمة بعد منحدر التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وفوضى الانهيار والأزمات الاقتصادية الطاحنة، والحروب الأهلية وتشريد الشعب إلى حدود الدول المجاورة، ما عسى أن تكون نتائج المفاوضات في جدة إذا استجابت الأطراف المتصارعة، وحل تلكما المسألتين المثيرتين للخلاف اللتين أشعلتا فتيل الأزمة، الأولى هي الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة النظامية، والأخرى هي توقيت وضع الجيش رسمياً تحت إشراف مدني، ومن ثم تبادل الطرفان الاتهامات بإثارة العنف.
والحقيقة، أن تلك الأحداث تتحدى تقريباً كل التحليلات السياسية المستقرة، ولكن يجب النظر إلى حالة الحرب اليوم في السودان وحجم المنافسة على النفوذ، وقد تمثل العامل الحاسم، في نهاية الأمر، ولا بد من فرض هذه الحقيقة وكل ما يصبّ في خانة التربص للأحداث وما تظهره إلى حيز الوجود؛ إذ ينبغي ذكر ذلك التضارب والتنافس للسودانيين بين القوى العظمى وأيضاً القوى الإقليمية التي تبحث عن تحقيق بعض الأهداف والغايات على ارض الصراعات.