إذا أردنا أن نتحدث عن الحرب والسلم، والعلاقة بينهما، على نحو مناسب؛ فإن الحديث لن يكون ملائماً لكل الحروب والأزمات وتأثيرها، ولن تكون فكرة معزولة عما يعمق انتماءها داخل الواقع، فهي تنطلق دائماً من متطلبات الواقع والمصلحة والتنظيم، فقد عصفت الحرب بالشعب السوداني وفاقمت من سوء الظروف المعيشية والاقتصادية، إضافة إلى الافتقار إلى الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء وإغلاق الأسواق، مما جعل النزوح من الخرطوم حاجة ملحة رغم صعوبته ومشقته، وقد يصل إلى كارثة إنسانية.
تشير هذه الصعوبة بذاتها، إلى حقيقة استمرار الصراع، وتسعى الدول العربية والصين لتقصي الأمر بشكل أعمق، من خلال الحوار مع الطرفين المتحاربين في السودان، في محاولة لتحديد الأسباب ومعرفة المزيد من أكثر التغيرات تعقيداً، وتقدمت بكين للوساطة في الصراع المسلح الجاري في السودان، وإمكانية وجود حياة خالية من المواقف القاسية غير المألوفة، بل إن هناك أكثر من اتجاه يزيد مداه وفاعليته، والمحاولة بحد ذاتها تستحوذ على الانتباه، لاعتبار مواقفها السابقة في الوساطات، والتطلع إليها كـوسيط موثوق لوقف القتال، خاصة مع حرصها على تأمين مصالحها هناك.
وغني عن القول أن الصين من أكثر الدول التي لها مصلحة في استقرار السودان، عطفاً على الأسباب وما يترتب عليها؛ إذ واصلت الصين نسج علاقات قوية مع السودان الذي يُعدّ ثالث أكبر شريك لبكين في أفريقيا بعد كلٍّ من أنغولا وجنوب أفريقيا، فكان هذا نهجاً سارت على هداه، بتجاوز العقبات والعراقيل والاستنتاج يبدو واضحاً جداً في الثقافة السياسية والاقتصادية الصينية، كل هذا، وأكثر منه بكثير يكتسب معنى ومصداقية أكثر، في الوقت الذي تعد فيه الصين أكبر شريك تجاري للسودان، وكل ما يهم بكين الآن في السودان هو ضمان تدفق النفط، واستمرار التبادل التجاري، وهذا لن يأتي إلا بالاستقرار.
إذاً، من جانب آخر، فإن هذه العلاقة تجاوزت الروابط التي تجمع الخرطوم بالغرب، كونها قوة محصنة من الاختراق أو المشكلات المتعلقة بالوحدات القائمة على حراسة وحماية منشآتها، ومن الضروري البحث عن الهدف الذي تجسده هذه الوساطة وأهميتها بالدرجة الأولى، وهو «النفط» الذي تستورده الصين من السودان، كما استثمرت فيه هناك بمبالغ ضخمة، وتعتبر بكين واحدة من أكبر المستثمرين في السودان؛ إذ تعمل 130 شركة صينية في قطاعات البنية التحتية كالنقل والكهرباء والإنتاج كالزراعة، ولديها حصة سوقية تزيد على 50 بالمائة في الأعمال المتعاقد عليها، وتضم قوة عاملة صينية كبيرة منذ عام 2020، وفقاً لوزارة التجارة الصينية.
الأمر الذي ينطوي على أهمية خاصة بالنسبة للصين بأنها وجدت نفسها مضطرة للعب دور أكبر في قضايا السلام والأمن، خاصة في جنوب السودان - الذي أصبح دولة مستقلة عام 2011 – إذ اتجهت نحو مقاربة جديدة تعتمد التوازن وإدارة المخاطر في علاقتها مع كلٍّ من البلدين، دولة السودان ودولة جنوب السودان، من أجل مراقبة المستجدات وتأمين استثماراتها ومواطنيها القائمين على تلك الاستثمارات، فهل تنجح الصين في التهدئة واللجوء إلى الوضع السلمي وعودة التفاوض؟
وبشكل عام، فإن استمرار التزام الصين بحماية استثماراتها النفطية في كلتا الدولتين، بعد الانقسام وتزايد المخاطر الأمنية، اضطرها لإصلاح بعض أسباب الصراع، وتقوم بالمشاركة بجنودها في عمليات حفظ السلام تحت مظلة الأمم المتحدة، وتدخل بكين في هذا الصراع، فستكون ثالث أزمة دولية تمارس فيها دورها الجديد كـ«وسيط دولي» بعد الأزمة السعودية - الإيرانية، وأزمة أوكرانيا.
8:2 دقيقه
TT
هل تنجح وساطة الصين في السودان؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة