في عالم الفولكلور والتقاليد القديمة، يُعاد سرد الأساطير إلى الأبد من أجل حكمتها وحقائقها الكامنة. والاستحالة هي جزء من جاذبيتها، فالقليل من الناس يتوقفون لتفنيد فيزياء أجنحة إيكاروس قبل التحذير من الطيران قريباً من الشمس، لكن في عالم الصحافة والتاريخ، يُنظر إلى الأساطير باعتبارها مخلوقات خبيثة تحجب أكثر مما تضيء، ولا بد من اصطيادها وتدميرها حتى يتسنى للقصة الحقيقية أن تأخذ موضعها الصحيح. وخرق هذه الخرافات مسألة واجب وتأكيد على الخبرة؛ إذ تتحول لفظة «في الواقع» إلى ظرف مشرف.
يمكنني ادعاء بعض الخبرة في هذا المجهود، ليس كمفند للخرافات، بل كغرفة للمقاصة بالنسبة لهم. عندما عملت محرراً لقسم «توقعات الأحد» في إحدى الصحف الأميركية قبل عدة سنوات، عملت على تعيين وتحرير العشرات من مقالات «الأساطير الخمس» التي عالج فيها الخبراء أكثر المغالطات شيوعاً حول مواضيع الأخبار. أجبرتني هذه التمرينات المنتظمة على مواجهة التحديات الأساسية للشكل: إلى أي مدى يجب أن تكون المفاهيم الخاطئة مترسخة ومنتشرة حتى يمكن اعتبارها خرافة صادقة بمنتهى الخبث؟ ما هو الفرق بين التفنيد الحاسم والتفسير المتعارض؟ ومن هو المؤهل لتقويض الأسطورة أو غير المؤهل لفعل ذلك؟
لقد طالعت هذه التساؤلات كثيراً في أثناء قراءتي لكتاب «أميركا الأسطورة: المؤرخون يتحملون أضخم الأساطير والأكاذيب حول ماضينا»، المجموعة المنشورة هذا الشهر من تحرير كيفين إم. كروز وجوليان زيليزر، المؤرخين في جامعة برينستون. والكتاب، الذي يصفه المحررون بأنه «تدخل» في المناقشات العامة المستمرة منذ فترة طويلة بشأن السياسة والاقتصاد والثقافة الأميركية، يُعد إسهاماً ذا حجية ومناسباً للأسلوب الذي يزعزع الخرافات، وهو ذو حجية لنوعية المساهمات ونطاق مشروعها، وهو ملائم لأنه يحدد في مجلد واحد إمكانات ومزالق الشكل. فعندما تواجه العديد من الأساطير في تعاقب سريع، فإن القيم التي تقوم عليها هذه الجهود تصبح أكثر حدة، حتى ولو أصبحت قيمة الأساطير ذاتها أكثر قتامة. يجب إماطة اللثام عن كل أوهامنا الوطنية، لكنني لست متأكداً من أنه يجب التخلص منها جميعاً. ألا تخدم بعض الأساطير مقصداً صحيحاً؟
نجح العديد من المساهمين في كتاب «أميركا الأسطورة» في التخلص من الافتراضات المنهكة حول موضوعاتهم. تشكك كارول أندرسون، من جامعة إيموري، في الفكرة المستمرة للتزوير واسع النطاق في الانتخابات الأميركية، وتوضح كيف أن الساسة والناشطين الذين يدعون الدفاع عن نزاهة الانتخابات يسعون في كثير من الأحيان إلى استبعاد بعض الناخبين من العملية الديمقراطية. ويكشف دانييل إيمرفار، من جامعة نورث ويسترن، الحقيقة حول فكرة أن الولايات المتحدة افتقرت تاريخياً إلى الطموحات الإمبريالية، ويدّعي أن البلاد، بأقاليمها وأممها القبلية وقواعدها الأجنبية، هي إمبراطورية إلى حد كبير اليوم، وقد كانت كذلك منذ البداية. وبعد قراءة مقال لورانس جليكمان حول «ردود الفعل البيضاء العنيفة»، سأكون حريصاً عندما أقول إن احتجاج أو حركة الحقوق المدنية أشعلت أو حرضت أو أثارت ردة الفعل البيضاء العنيفة، وكأن مثل هذه الاستجابة غريزية ولا مفر منها. يكتب جليكمان، المؤرخ في جامعة كورنيل، يقول: «نادراً ما يُعامل مؤيدو الاستجابات العنيفة كعامل للتاريخ، ويُنظر إلى الأشخاص الذين يشاركون فيها على أنهم مجرد لاعبين، وليس كمحفزين للقصة، وعناصر لردة الفعل وليسوا فاعلين». في بعض الأحيان، يكون أفضل تفنيد للأساطير هو النوع الذي يجعلك ترغب في إعادة كتابة العبارات القديمة.
تثير المجموعة حججاً وجيهة حول استخدام التاريخ في الخطاب السياسي، وفي مقدمتها أن مصطلح «التاريخ التنقيحي» لا ينبغي أن يكون مجرد افتراء. «كل الأعمال التاريخية الجيدة هي بالأساس (تنقيحية) من حيث إنها تستخدم نتائج جديدة من المحفوظات، أو وجهات نظر جديدة من المؤرخين لتحسين، وإتقان - ولأجل تنقيح - فهمنا للماضي»، كما كتب كروز وزيليزر. ومع ذلك، فإن هذا الدافع التنقيحي يجعل إطار الأساطير، أحياناً، يشعر بالاضطرار إلى حد ما، وهو ذريعة لتغطية المواضيع التي تهم المؤلفين.
يستند الفصل التثقيفي لسارة تشرتشويل حول تطور «أميركا أولاً» كشعار وكنظرة للعالم، على سبيل المثال، إلى كتابها لعام 2018 حول هذا الموضوع، ولكن لمعالجة هذا الموضوع باعتباره أسطورة، تؤكد تشرتشويل، المؤرخة في جامعة لندن، أن استدعاء دونالد ترمب لشعار «أميركا أولاً» في السباق الرئاسي عام 2016، «كان موضع دفاع على نطاق واسع باعتباره عقيدة معقولة في السياسة الخارجية» (ودليلها هو زوج من المقالات من قبل المعلقين المحافظين مايكل بارون ومايكل أنطون).
في مقاله الذي يدافع فيه عن إنجازات الصفقة الجديدة، يعترف إيريك روتشواي، من جامعة كاليفورنيا، بأن فشل البرنامج السياسي المزعوم، «ليس قصة محبوكة بإحكام في السرد الوطني»، وأنه «ربما (الأسطورة) تبدو مصطلحاً غير ملائم». وهو يعتقد أن فشل الصفقة الجديدة ليس أكثر من أسطورة تستحق الانفجار بطبيعة الحال، ولكنه يعترف بوجود «العديد من الفئات التحليلية للزيف». إن الاعتراف يستحق بعض الإشادة، ولكنه قد يكون أيضاً صحيحاً.
في فصل كتبه كروز عن تاريخ الاستراتيجية الجنوبية - الجهود المتعمدة التي يبذلها الحزب «الجمهوري» لجلب الجنوبيين البيض إلى جانبه مع تزايد نشاط الحزب «الديمقراطي» في دعم الحقوق المدنية - يسمح المؤلف بأن «أحزاب المحافظين في الآونة الأخيرة طعنوا في هذا التاريخ الراسخ». وهذا التمييز بين المحافظين ليس عرضياً؛ ففي المقدمة التي قدماها، يزعم كروز وزيليزر، أن نمو المنصات الإعلامية اليمينية وانحدار «التزام الحقيقة»، كانا سبباً في تعزيز طفرة في صناعة الأساطير. «وهكذا أصبحت الجهود الرامية إلى إعادة تشكيل السرد حول ماضي الولايات المتحدة موضوعاً محورياً للحركة المحافظة بصفة عامة، وإدارة ترمب بصفة خاصة».
يلاحظ المحررون وجود بعض الأساطير التي تسمو على الحزبين، وتسمو فوق الحزب أو الآيديولوجية، لكن الأساطير التي يغطيها كتاب «أميركا الأسطورة» تنشأ من اليمين أو تعيش عليه. وفي تحليل يغطي 20 فصلاً، وأكثر من 300 صفحة، وقروناً من التاريخ الأميركي والخطاب العام، كان هذا التأكيد لافتاً للنظر.
هل نشطاء اليسار والساسة في الولايات المتحدة لا يبنون، وينشرون نسختهم الخاصة من القصة الأميركية أبداً؟ وإذا كانت هذه البراءة الليبرالية حقيقية، فدعونا نسمع المزيد عنها. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فقد يتطلب الأمر تفنيد الزيف من تلقاء نفسه.
ومن بين هذه الأساطير التي يتبناها الحزبان، والتي عادة ما يؤيدها الساسة من الحزبين الرئيسيين، تلك الأسطورة القديمة التي سادت، ألا وهي: الاستثنائية الأميركية. في مقالته حول هذا الموضوع، يمكن أن يكون ديفيد بيل، مؤرخ آخر بجامعة برينستون، رافضاً لهذا المصطلح. ويكتب قائلاً: «يمكن اعتبار معظم الدول استثنائية بدرجة أو أخرى». واليوم، تُستخدم هذه العبارة عادة كـ«هراوة» في الحروب الثقافية في البلاد، كما يزعم بيل، وهي الممارسة التي انتشرت بين عامة الناس من قبل ساسة مثل نيوت غينغريتش، الذي أشاد لفترة طويلة بالولايات المتحدة باعتبارها «أكثر حضارة تميزاً في التاريخ»، وهاجم كل من لا ينحني أمام هذا المفهوم. يقول بيل: «بالنسبة لغينغريتش، فإن إظهار استثنائية أميركا كان دوماً أقل أهمية من شجب اليسار؛ لأنه لم يؤمن بها».
عند استكشاف الحجج السابقة بشأن الطبيعة الفريدة لأميركا، يتطرق بيل إلى خطبة جون وينثروب في القرن السابع عشر بعنوان «نموذج المؤسسة الخيرية المسيحية»، التي أعلن فيها الحاكم المستقبلي لمستعمرة خليج ماساتشوسيتس، أن المجتمع البيوريتاني سوف يكون «كمدينة على تلة» (وهو الخط الذي مدده الرئيس رونالد ريغان بعد قرون إلى «مدينة مضيئة على تلة»). وهذه الإشارة مُلزمة في أي مناقشة للاستثنائية الأميركية، وإن كان بيل يُقلل من أهمية الخطبة المعتادة لمناقشات الاستثنائية؛ ذلك لأن النص «ينفث شكوكاً أليمة» حول ما إذا كان بوسع المستعمرين مواجهة التحدي، ولأن الخطبة «ظلت مجهولة تقريباً حتى القرن التاسع عشر».
* صحافي ومؤلف
من أصول بيروفية حاصل
على جائزة «بوليتزر للنقد»
* خدمة «نيويورك تايمز»
8:7 دقيقه
TT
نظرة خلف ستار التاريخ الأميركي
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة