حسن المصطفى
كاتب وباحث من السعودية
TT

حكومة السوداني وبناء الثقة مع محيطها العربي!

«أمن العراق ركيزة أساسية لأمن المنطقة واستقرارها»، هذا ما أكده العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، خلال لقائه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في العاصمة الأردنية عمان، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.
المباحثات الأردنية - العراقية، شدد خلالها الملك عبد الله الثاني على ضرورة مواصلة التعاون الثنائي بين البلدين، والثلاثي مع مصر، باعتباره «نموذجاً للتكامل في المنطقة»، وهو التعاون الذي بلغ ذروته إبان فترة ولاية رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، والذي اختط سياسة منفتحة على الجوار العربي، سعى من خلالها لتوثيق علاقات العراق مع دول الاعتدال العربي، وتخفيف سطوة النفوذ الإيراني في الداخل العراقي.
السوداني من جهته، أكد «حرص العراق على استمرار العلاقات المتميزة مع الأردن»، في إشارة منه إلى أنه لن يعمل على إحداث تغيير جذري في السياسة الخارجية.
رئيس الوزراء العراقي، وفي زيارته إلى دولة الكويت، ولقائه ولي عهدها الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في 23 نوفمبر، أكد أهمية «بناء علاقات متوازنة مع جيرانه، تبنى على أساس الاحترام المتبادل وحفظ سيادة البلدين، والسعي لحل العديد من الملفات وفق ما يدعم المصالح المشتركة، ويحقق الاستقرار في المنطقة». وهو بذلك يريد توجيه رسائل طمأنة إلى جيرانه بأن حكومته لن تسعى لاتخاذ إجراءات تصعيدية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي، وهو الأمر الذي سيكون في مصلحة الجميع، إذا استطاع السوداني النأي بالعراق عن «المحور الإيراني»، وجعله دولة تقوم بأدوار وازنة وحلقة صلة بين دول المنطقة.
بالعودة إلى السابق من تطورات، وأثناء حضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، النسخة الثانية من «قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر»، التي احتضنتها مدينة شرم الشيخ المصرية، عقد يوم الاثنين 7 نوفمبر، لقاء جمع الأمير محمد بن سلمان، مع الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد.
وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان، ووزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، كانا ضمن الحضور، ما يشير لأهمية ملفي «الطاقة» و«الدبلوماسية» في العلاقات بين الرياض وبغداد، وأنه يمكن من خلالهما بناء تفاهمات بين الدولتين، تكون استمراراً لما تم التوافق عليه إبان حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
في 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلن الأمير محمد بن سلمان، عن «قيام صندوق الاستثمارات العامة بتأسيس 5 شركات إقليمية تستهدف الاستثمار في كل من المملكة الأردنية الهاشمية، ومملكة البحرين، وجمهورية السودان، وجمهورية العراق، وسلطنة عمان»، حيث «ستبلغ قيمة الاستثمارات المستهدفة ما يصل إلى 90 مليار ريال».
ومن اللافت أن العراق ضمن الدول المستهدفة، رغم بيئته الأمنية والسياسية المتقلبة، والنفوذ الإيراني عبر الميليشيات الموالية لها، وقدوم حكومة جديدة يعتقد كثر أن مهندسها هو رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وهو شخصية محسوبة على ما يعرف بـ«محور المقاومة»، وتربطه علاقات وثيقة بالشخصيات السياسية الإيرانية، ولا يخفي مواقفه المعادية لسياسات المملكة العربية السعودية. إلا أن الرياض رغم ذلك، سارعت إلى تهنئة رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد شياع السوداني، بتسنمه منصبه، حيث بعث الملك سلمان بن عبد العزيز برسالة إلى السوداني، جاء فيها «بمناسبة منح الثقة لحكومتكم من قبل البرلمان العراقي، يسرنا أن نبعث لدولتكم أصدق التهاني، وأطيب التمنيات بالتوفيق والسداد، ولشعب جمهورية العراق الشقيق المزيد من التقدم والازدهار»، كما أبرق له مهنئاً ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في ذات اليوم، وتبع ذلك زيارة قام بها السفير السعودي لدى العراق عبد العزيز الشمري، إلى رئيس الوزراء محمد السوداني، ورئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد.
وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، أجرى اتصالاً هاتفياً في 6 نوفمبر، مع وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي، بحث خلاله «تطوير التعاون والتنسيق في المجال الدفاعي، وسبل دعمهما وتعزيزهما».
في 27 نوفمبر، سلم السفير السعودي في بغداد عبد العزيز الشمري، رئيس الجمهورية العراقي عبد اللطيف رشيد، دعوة رسمية من الملك سلمان عبد العزيز، لحضور القمة العربية - الصينية، والتي ستعقد في السعودية.
إذن، هنالك دبلوماسية سعودية فاعلة تجاه العراق، رغم أن هنالك توجساً من أن تهيمن الميليشيات على حكومة السوداني، أو تمارس ضغوطات سلبية عليه، أو تدفعه إلى البعد عن عمقه العربي والانحياز لأجندات عقائدية وحزبية ضيقة، وهي مهمة صعبة ستواجه رئيس الوزراء، خصوصاً أنه جاء إلى الحكم بترشيح من «الإطار التنسيقي»، وبالتالي هنالك شروط وأجندة عمل سيكون محكوماً بها، وربما صعب عليه تجاوزها، إلا أنه إذا أحسن استغلال حاجة «الإطار» له، واستطاع تشكيل قوى ضغط سياسية وشعبية تدعم التواصل الإيجابي والتعاون مع دول الخليج والسعودية تحديداً، وتركز على تحييد العراق عن صراع المحاور الإقليمية، وتجعله يواصل أدواره كجسر ووسيط للحوار بين المختلفين، فإن السوداني سيكسر الصورة السائدة المتشائمة المرسومة حول حكومته.
إيران اليوم مشغولة بالمظاهرات الاحتجاجية في الداخل، والوضع الاقتصادي الصعب، والشرخ الذي اتسع بين قطاعات واسعة من الشعب والنظام الحاكم. وهي من جهة أخرى لم تصل لتفاهمات مع الولايات المتحدة تعيد إحياء «الاتفاق النووي»، كما أن علاقاتها مع دول رئيسية في الشرق الأوسط كالسعودية ومصر لا تزال تراوح مكانها ولم تتقدم، وهنالك حرب سيبرانية وأمنية واستخبارية بينها وبين إسرائيل؛ ما يجعلها تنهمك في ترتيب أولوياتها الداخلية والذاتية، وهي قد تكون فرصة لرئيس الوزراء العراقي محمد السوداني لكي يقود حكومته باستقلالية أكبر عن النفوذ الإيراني، ويقنع طهران أن العراق لا يمكن أن يحكم من عواصم إقليمية، وأن عليها أن تجعل العلاقة عبر المؤسسات الرسمية لا الأحزاب والميليشيات.
ربما يعتقد كثر أنها مهمة مستحيلة، أو أننا أمام «حكومة ميليشيات» لا أكثر ولا أقل، بوجه مختلف، أقل حدة وصدامية من نوري المالكي، إلا أن مصلحة استقرار وأمن الشرق الأوسط تقتضي أن تتم تقوية مؤسسات الدولة في العراق، ويتم التعامل مع رئاسة الوزراء بما تمثله، لا بشخص من يرأسها، مع الأخذ في عين الاعتبار السياسات الخارجية التي ستنتهجها الحكومة الحالية، ومراقبة أداء الميليشيات وتقدير ما تشكله من خطر قائم، وما إذا كانت في مرحلة كمون آني، أم أنها لا تزال تخطط لاستهداف المنشآت الاقتصادية الحيوية والعمل على تخريب العلاقات العراقية - السعودية.
لا أحد يمكنه التنبؤ بما سيحصل، كما أنه «لا أحد ينتظر من رئيس الوزراء والقيادات الجديدة، أن يميلوا بالعراق ليكون تابعاً للسعودية أو إيران أو الولايات المتحدة، وكلما كان العراق بلداً كامل السيادة، كان ذلك في صالح العراقيين والمنطقة عموماً؛ فالسيادة المنقوصة هي سبب الفشل المستمر لدول مثل لبنان والسلطة الفلسطينية والصومال... وغيرها»، كما كتب عبد الرحمن الراشد في مقاله «السوداني والخليج»، المنشور بصحيفة «الشرق الأوسط»، في 7 نوفمبر. وعليه، فالحكومة العراقية وأداؤها هو ما سيحدد مستقبل علاقاتها مع دول الجوار، إن كان تطويراً للعلاقات، أو جموداً فيها!
* كاتب سعودي