حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

ثمن اليونان!

وكأن العالم يتابع مسلسلاً دراميًا مشوقًا أو تراجيديا إغريقية أسطورية كتمت الأسواق المالية الدولية أنفاسها وهي تراقب بانتظار الإعلان عن نتائج الاستفتاء العام الذي أقرته الحكومة اليونانية لمعرفة رأي الشعب بخصوص الإجراءات التقشفية التي فرضها الاتحاد الأوروبي عليها لإعادة جدولة الديون التي على اليونان لسداد الالتزامات المالية الكبيرة، وكانت النتيجة الصادمة للعالم، فلقد صوت اليونانيون بنسبة هائلة تجاوزت الـ61 في المائة برفض الشروط الأوروبية وكانت «لا» مدوية سمع صداها حول العالم بشكل فوري وحاسم.
لقد بدأت موجة التحليلات والتفسيرات المتتابعة لمعرفة وقياس أبعاد هذه النتيجة، فهناك من انطلق يقول إن ما حصل هو مسألة إيجابية وقد يكون من المفيد أن تطرد اليونان من الاتحاد الأوروبي، فهي «احتالت» عليه عندما انضمت لأنها لم تكن مؤهلة ماليًا لذلك، واحتالت عليه خلال عضويتها لأنها اقترضت دون أي نية للالتزام بالسداد وإن عليها أن تعي وتدرك تمامًا أن الديون تعني الالتزام والالتزام يعني السداد. فاليونان (بحسب هذا الرأي) كانت تعتمد في الاتحاد الأوروبي على قدرة وقوة وإنتاجية الاقتصاد الألماني ليحمل اليونان وغيرها ويحميها من المخاطر والقلاقل الاقتصادية التي من الممكن أن تحصل، وطبعا هناك من يرى أن «خروج» أي دولة نتاج أخطائها سيكون بمثابة جرس إنذار ونداء للاستيقاظ للغير يجعل الاتحاد الأوروبي نفسه أقوى نتاج ذلك الأمر.
وهناك رأي آخر مغاير تمامًا هو أن الحس بالخطر سيجعل الاتحاد يراعي الوهن الموجود في أنظمة الاتحاد الأوروبي خصوصًا المتعلقة بوجود عملة واحدة وهي اليورو، ولكن وجود عدد مهول من البنوك المركزية (لكل بلد عضو) يجعل من المستحيل التوفيق بين السياسة النقدية والسياسة المالية وهو من أسباب الكارثة والتدهور الاقتصادي التي أدت للأزمة الكبيرة الحالية. كذلك فإن رفض اليونان بقوة للشروط التعجيزية الأوروبية فتح الشهية لدى إسبانيا والبرتغال اللتين تعانيان عللا مالية ليست بالبسيطة أبدًا، وهناك حراك شعبي في إسبانيا يطالب بقوة أن يكون هناك استفتاء شعبي عام يصوت على الشروط الأوروبية التي أصر عليها الاتحاد الأوروبي بحق إسبانيا. وهذه النتيجة لها أصداء عالمية، فالسوق الصينية ترنحت وبسرعة وكذلك كان الضغط على العملة الأوروبية «اليورو» التي شهدت انخفاضًا حادًا أمام الدولار الأميركي.
السوق الأوروبية ستنتكس على المدى القصير ولكنها ستقدم فرصًا للاستثمار غير مسبوقة وستكون فرصًا عظيمة للكثير من الصناديق الكبرى والمحافظ المهمة حول العالم لاستغلال هذا الظرف النادر. أما اليونان اليوم فهي «أقوى» من ألمانيا على أرض الواقع؛ إذ بقراراتها التي اتخذتها أخذت القارة الأوروبية بأكملها إلى الأسر الاقتصادي، ولكن هل تستطيع «تحمل» تبعات هذا القرار وأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسط فقر متزايد وبطالة لا حدود لها وإنتاجية متدهورة.
اليونان إذا خرجت من السوق الأوروبية وعادت إلى عملتها السابقة «الدراخما» سيكون اقتصادها أصغر من مدينة ميامي بالولايات المتحدة وستكون دولة أقل من عادية.
القرار له تبعات واليوم الاتفاق والشروط التي كانت معروضة تغيرت والاتحاد الأوروبي لا يزال متمسكا باليونان ولكن لكل شيء ثمن وهذا ما يجري الاتفاق عليه.