تيم كولبان
كاتب من خدمة بلومبيرغ.
TT

الوضوح الشيء الوحيد الذي تطلبه من شي شركات التكنولوجيا الصينية

يترك كل زعيم صيني بصمته على الدولة التي يحكمها لمدة خمسة أو عشرة أو خمسة عشر عاماً. والعلامة الخاصة بالرئيس الصيني شي جينبينغ لا تُمحى، لكن شركات التكنولوجيا التي عززت الصعود الاقتصادي للصين عبر العشرية الماضية سوف تبحث عن أدلة حول كيفية التحرك خلال ولايته الثالثة.
عندما تولى شي السلطة في مارس (آذار) 2013 كانت شركة «تينسينت هولدنغز المحدودة» تحتل بمفردها المرتبة الحادية عشرة بوصفها الشركة التكنولوجية الوحيدة بين أكبر 20 شركة صينية من حيث القيمة السوقية. واليوم، تتصدر شركة الألعاب ومنصات التواصل الاجتماعي القائمة، وترافقها 6 شركات أخرى، بما في ذلك مجموعة «علي بابا» القابضة المحدودة في المرتبة الرابعة، متقدمة على شركة «ميتوان» للحجوزات والتوصيل في المرتبة الحادية عشرة.
لدى المسؤولين التنفيذيين وحملة الأسهم في هذه الشركات العملاقة الجديدة سبب وجيه للشعور بالمعاناة الشديدة عبر الأعوام القليلة الماضية؛ إذ شكل تفشي فيروس «كورونا» فرصة عظيمة لقادة التكنولوجيا في الصين لإثبات قيمتهم للأمة، وتقديم عدد كبير من المنتجات لمساعدة المواطنين والشركات على الصمود في وجه الإغلاق القاسي والاضطرابات الاقتصادية. ومع ذلك، فإن التداول بين شركة «تينسينت» ومجموعة «علي بابا» الآن أقل مما كان عليه قبل 3 سنوات، قبل أن يتسلل الفيروس من مدينة ووهان.
ونستطيع إحالة جانب كبير من اللوم إلى «الرخاء المشترك»، ذلك المصطلح الذي صاغه للمرة الأولى ماو تسي تونغ، لكنه تحول إلى ساحة معركة في عهد شي العام الماضي «لزيادة حجم الشرائح ذات الدخل المتوسط». وسارعت الشركات إلى مواكبة الركب، وأخبرت المستثمرين أنها على استعداد للاضطلاع بدورها.
في أغسطس (آب) 2021 قال كبير المسؤولين التنفيذيين في ميتوان، وانغ شينغ: «عملنا بنشاط على تحمل المزيد من المسؤولية الاجتماعية وخلق قدر أعظم من القيمة مع تعزيز الرخاء المشترك للمجتمع الأكبر بما في ذلك عمال التوصيل، والتجار، والمستهلكون، وشركاء الأعمال الآخرون». وقال رئيس مجلس إدارة شركة «تينسينت» في مكالمة هاتفية قبل عام: «استثمرنا بنشاط في مجالات استراتيجية رئيسية فضلاً على التقنيات الرائدة، إلى جانب التعهد بالتزامات جديدة في مبادرات الرخاء المشترك». لكن كما أشار زميلي شولي رين هذا الشهر، فإن «الرخاء المشترك» تحول إلى «فقر شائع» مع تفاقم فقر الجميع ككل، وفشل الصين في توسيع الطبقة المتوسطة. يبدو أن الكلمة الطنانة لم تعد تلقى ترحيباً، برغم إحيائها مجدداً في الأسابيع الأخيرة، وتكرارها في وسائل الإعلام الرسمية بوتيرة زائدة.
«خطة بكين للحد من عدم المساواة في جميع أنحاء البلاد»، كما يوصف الرخاء المشترك، لا تفسر بشكل كامل المشاكل التي تواجه شركات التكنولوجيا في الصين. والواقع أن التحديات سبقتها. الخطاب غير الموفق الذي ألقاه جاك ما في منتدى بوند في شنغهاي في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 - حيث انتقد البنوك والجهات التنظيمية - أسفر عن طرح عام غير مُحكم لمجموعة «آنت غروب» خاصته. وصار جاك، مؤسس «علي بابا»، يحلق قريباً من الشمس حتى الاحتراق! وفي حين أن حادثة واحدة، وتداعياتها، سببت صدمة للقطاع، إلا أنها لا تفسر بشكل كامل الثروات المتضائلة للتكنولوجيا الصينية. وقد ساعدت سلسلة من الإجراءات التنظيمية عبر السنوات القليلة الماضية - والتي صُنفت مجتمعة بتدابير القمع المنظم - في وصف أمثلة متعددة على سياسة اليد الثقيلة الصينية؛ إذ سُحبت نماذج الأعمال الخاصة بشركات التعليم، ومرت شركات الألعاب بفترات متكررة من الرقابة وتجديد المحتوى، في حين تعرضت شركات التجارة الإلكترونية لغرامات مكافحة الاحتكار.
يطرح البيان الصادر عن الجلسة الكاملة السابعة للجنة المركزية الـ19 للحزب الشيوعي الصيني الأسبوع الماضي، تمهيداً لمؤتمر الحزب الـ20 الذي عقد منذ يومين، بعض الدلائل. لم يظهر مصطلح «الرخاء المشترك» لمرة واحدة، ومع ذلك فقد ظهر تعبير «الاشتراكية ذات الخصائص الصينية» 8 مرات في 5 مناسبات مقترناً بلاحقة «لعصر جديد». لكن هذا المصطلح استخدم على نحو أكثر تفضيلاً، من دون أي قدر كبير من التفصيل أو انتهاج سياسة محددة.
حتى في هذه الحالة، لا يوجد ضمان بأن الجهات التنظيمية ستكون مستعدة، أو حتى قادرة، على تقديم إرشادات واضحة بشأن كيفية عمل الشركات خلال فترة ولاية شي الثالثة. ويشكل انتقاد الحكومة وتمزيق المستهلكين ألغاماً أرضية واضحة، لكن كيفية إدارة شركة تعليمية أو تقديم خدمات التوصيل هي التفاصيل العملية الشائكة التي ينبغي على المسؤولين التنفيذيين الإبحار بشركاتهم، التي تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات، خلالها.
صار من الحكمة والمقبول أن الكثير من سياسات بكين في الفترة التي سبقت انعقاد مؤتمر الحزب كانت في خدمة تأمين إعادة تنصيب شي - بما في ذلك الإغلاق الصارم جراء فيروس «كورونا»، وزيادة التوترات العسكرية تجاه تايوان، وفرض سيطرة أكبر على قطاعي التعليم والألعاب. ويترتب على ذلك أن شي سوف يتراجع عن جُل هذه التصرفات بمجرد رسوخه بأمان في فترة ولايته الثالثة، وسوف تعود الأعمال إلى طبيعتها. ولا يوجد دليل على أن هذه هي الحال، ولا يزال «فكر شي جينبينغ» عنصراً رئيسياً في الرسائل الحكومية. في حين تمتع قطاع التكنولوجيا في الصين بنمو هائل عبر تجاوز الحدود التنظيمية، أبدى قادة الأعمال إلى حد كبير استعدادهم للانصياع بمجرد معرفتهم أين تقع تلك الحدود. والآن، كل ما يحتاجونه من بكين هو مزيد من الوضوح.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»