فؤاد مطر
أحد كتّاب الرأي والتحليل السياسي في «الشرق الأوسط» ومجلة «المجلة» منذ العام 1990 وقبلها عمل صحافياً وكاتباً في «النهار» اللبنانية و«الأهرام». نشر مجلة «التضامن» في لندن وله 34 مؤلفاً حول مصر والسودان والعراق والسعودية من بينها عملان موسوعيان توثيقيان هما «لبنان اللعبة واللاعبون والمتلاعبون» و«موسوعة حرب الخليج». وثَّق سيرته الذاتية في كتاب «هذا نصيبي من الدنيا». وكتب السيرة الذاتية للرئيس صدَّام حسين والدكتور جورج حبش.
TT

قمة ولا سائر القمم

أما وقد استقر أمر القمة العربية الدورية على انعقاد وفي موعد محدد هو الأول والثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، فإن دوراً قومياً ينتظر أهل الحُكْم في الجزائر المستضيفة والمبتهجة بإنجاز وطني بالغ الأهمية تحقق خلال الزيارة الثانية التي قام بها للجزائر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ناشراً في أجوائها المكهربة تجاه فرنسا نيات صادقة من شأنها الشروع المتدرج في طي صفحات قرن وثلث القرن من الاستعمار الفرنسي للجزائر. وهذا الدور القومي المأمول لم يحدث أن كان العالم العربي بالحاجة إليه، كما الحاجة في هذه المرحلة التي وصلت أحوال بعض الأقطار إلى أنها مرشحة للتشقق يسبق التقسيم. ولنا على سبيل المثال أحوال دول خمس هي لبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن، وثمة خشية من انتساب محتمل من جانب السودان إلى الدول الخمس، الأمر الذي يعني أن العالم العربي عالمان: دول مستقرة ومهتمة بالتطوير وتقوية الأواصر مع دول ذات تأثير ملموس وحضور فعال في القرار الدولي، ودول مكتوب على الشعب فيها من بعض حاكميها العيش التعيس، وبالذات الشعب اللبناني، الذي يشاء توقيت انعقاد القمة أن رئيس لبنان لن يتمكن من المشاركة فيها كون رئاسته تنتهي يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، فيما القمة تنعقد في اليوم التالي... وربما لمصلحة القمة أنه الرئيس العربي الوحيد الذي لن يشارك.
هذا الدور الذي نعنيه هو خروج القمة، وبزخم من جانب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، كونه رئيس القمة المستضافة، بلجنة للتوفيق بين الأطراف المتشابكة في الدول العربية الخمس لبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن، ومعها السودان، الذي على أهبة أن تنتهي أحواله الهادئة المحيرة في الوقت ذاته إلى ما أوصل العناد والتحديات في الدول الخمس من صدمات وكوارث، أي نصف العالم العربي بات معتلاً.
وثمة الكثير من التفاؤل بتقريب المسافات بين رموز التحديات والتهديدات، ذلك أن الجميع باتوا، وبنِسب متفاوتة، يأملون في مسعى تقوم به لجنة مفوضة من القادة العرب، وبذلك لا يعود كل طرف على موقفه مفترِضاً أن له السند العربي الذي يسعى خيراً، علاوة على أن مقترَح الحوار صيغة حل المتشابكين في الدول المعتلة لا يبدو مجدياً بل وأحياناً غير مرحب به.
وإلى ذلك، إن موافقة مجلس الجامعة العربية الذي حسم وزراء الخارجية العرب منه أمر انعقاد القمة الدورية يومي الأول والثاني من نوفمبر الآتي، على تعيين مرشح السعودية خالد محمد منزلاوي، ومرشح قطر علي بن إبراهيم المالكي، أمينيْن عامين مساعديْن للجامعة العربية، ولمدة خمس سنوات، مدعاة للتفاؤل خيراً تجده الأمة، ذلك أن الدولتيْن تمثلان دول الخليج المهتمة بأحوال دول النصف المتوعك مع الأمة، وبتنوع الاهتمام بين نصح وغوث، وحراك غير الظاهر منه هو الأهم. ولنا على سبيل المثال في السعي المتعدد الأوجه قبل ثلاثة أشهر من جانب وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر الصباح ووزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال محادثات في العمق أجراها كل منهما في لبنان، وكذلك في الأجواء الطيبة التي أحدثتها الدبلوماسية السعودية ميدانياً في شخص ممثلها في لبنان السفير وليد بخاري... لنا في هذا السعي وما تزامن مع انفراجة إماراتية وقطرية وعُمانية فيما يخص العلاقة مع سوريا، ما يجعلنا نفترض أن قيام الأمين العام المساعد محمد منزلاوي، بمهمة من جانب الجامعة العربية لدى دول النصف المتوعك في الأمة يحمل تفسيراً استثنائياً، كما يعكس تفاؤلاً بتحقيق خطوة على طريق ما هو مرجأ من خطوات. الشيء نفسه يقال في حال أن التكليف رسا على الأمين العام المساعد القطري.
وأما بالنسبة إلى ما هو في مقدور الرئيس عبد المجيد تبون، القيام به، وقد بات رئيس قمة العرب لسنة كاملة، فإنه الدعم لكل من الأمين العام المساعد السعودي والأمين العام المساعد القطري في حال تكليف كل منهما بدور لدى رموز الحالات المستعصية الحل حتى الآن في الدول الست، وهي تكراراً لبنان وسوريا والعراق وليبيا والسودان واليمن، وتحقيق الحوار الذي يديره طرف يريد خيراً، ونعني هنا الأمين العام المساعد للجامعة، بافتراض تكليفه بالمهمة كما حال الجامعة ماضياً، وتكليف الأمين العام المساعد بمهمات تنتهي لفقدان عنصر التأثير، زيارات وتصريحات عابقة بالتمنيات التي لا تثمر تجاوباً وحلولاً.
وعندما يمارس الرئيس تبون الدور الداعم للمهمة المشار إليها يقوم بها الأمين العام المساعد، فإنه بذلك يبعث من الذاكرة ما سبق أن فعله الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، الذي أمكنه بالحس الوطني من جهة، والحرص على أن يكون الجوار المسلم في أهدأ حال، وبالذات الجوار العراقي - الإيراني، تحقيق وفاق بين قطبين في «أوبك» لم يصل قائد نظام في العالميْن العربي والإسلامي في العناد إلى ما وصلا إليه، ونعني بذلك الشاه محمد رضا بهلوي و«السيد النائب» صدام حسين الذي كان شأنه أنه الرجل القوي في النظام الذي يترأسه أحمد حسن البكر - رحمة الله على الجميع.
ومن الجائز، القول إن في شخص الرئيس عبد المجيد تبون الخاصية التي في شخص الرئيس بومدين، وإلا كيف أمكن الرئيس تبون الذي يستضيف القمة العربية الدورية بعد بضعة أسابيع، أن يتبادل مع الرئيس ماكرون استنباط حلول تُنهي بالتدرج تداعيات متوارثة، وبغضاء محفورة بعمق في النفس الجزائرية تجاه فرنسا أمكن رئيسها ماكرون البدء بمحو الأكثر قتامة فيها.
أن يُحسم أمر انعقاد القمة العربية الدورية ذلك ما يبعث في النفس الأمل بأجواء من الطمأنينة، وبحيث تكون قمة ولا سائر القمم ينشدها الملايين. وأما أن تحقق القمة النتائج المأمولة فهذا موضع اختبار لنيات الذين سيعقدون قمة عادية تستوجب من جانب الملوك والأمراء والرؤساء قرارات قمة استثنائية. والله الحَكَم والعدل.