علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

لماذا لا يصدقون؟

أحد إشكاليات الغرب مع العالم العربي في زمن الربيع العربي هو مصر؛ فسيناريو الأحداث خرج عن القطار الذي كانت تأمله مراكز الأبحاث والدراسات هناك، أو على الأقل تقدره وتتوقعه اعتمادا على بعض الباحثين الذين يختلفون عن الأجيال السابقة التي كانت أكثر عمقا من المستشرقين الذين وقعوا في هوى المنطقة، فتعمقوا في ثقافتها وعاشوا بين أهلها لفترات مكنتهم من استيعاب مكونات الوعي والثقافة في دول المنطقة.
أغلب الباحثين المعاصرين الذين تسترشد بهم وزارات الخارجية ومراكز صنع القرار هم باحثو إنترنت، يستقون غالبية معلوماتهم إلكترونيا، ويقعون أسرى للنشطاء الإلكترونيين الذين يمثلون قطاعا من المجتمع، لكنهم ليسوا كل شيء، فتأتي الدراسات والأبحاث قاصرة في الاستنتاجات والتحليلات مثلما حدث في مصر في 25 يناير (كانون الثاني) وفي 30 يونيو (حزيران)، في الأولى لم يقدروا أن التغيير في أي مجتمع مسألة صعبة، وأنه من الطبيعي أن تقفز قوى جديدة انتهازية أكثر تنظيما على المشهد وتحاول اختطافه، وأن تصارع قوى قديمة لها جذور قوية للحفاظ على مصالحها، ووسط الصراع تخرج القوى الثورية الحالمة صفر اليدين؛ لأنها لم تستعد بأدوات التغيير ولا تملك إمكانياته.
ومثلما وقع الجميع في مأزق التحليل الخاطئ في 25 يناير وما بعدها، حدث هذا في 30 يونيو، الفهم الخاطئ للمزاج الشعبي واتجاهه، ففي الأولى كانت هناك حالة ارتباك تجاه الموقف من نظام مبارك الذي كان صديقا للغرب لسنوات طويلة، وكان الاتجاه العام يفضل إصلاحات، وليس ثورة تطيح برأس النظام، وكان هذا هو المزاج الشعبي العام في البداية، لكنه تطور مع سلسلة أخطاء قاتلة ارتكبها النظام إلى حالة ثورية. قبل 30 يونيو كانت هناك حالة مزاجية معادية لحكم الإخوان بدأت تتبلور، لم تفهمها مراكز القرار في الغرب، وكانت هناك رغبة في الإطاحة بهم بأي ثمن، وكان ما فعله الجيش في مصر أنه قرأ المزاج العام، أو يمكن القول إنه تنبأ بالمزاج العام، فصبر على الإخوان حتى رأى المصريون مشاهد هزلية في الحكومة والبرلمان، ثم أخذوا قرارهم. ولا يمكن التشكيك فيما حدث في 30 يونيو، فالذين خرجوا للشارع مصريون عاديون، عائلات بأكملها: الأب والأم والأولاد.
لماذا لم يقرأ المحللون في الغرب ذلك؟ السبب أن مصادر معلوماتهم تنحصر في ميل أو مربع واحد، يمتد من الزمالك حتى التحرير، وهذا المربع لا يعكس ما يريده الشارع المصري حقيقة.