لا توجد دولة في العالم لم تنعكس عليها آثار جانبية بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا. كل قطاعات الحياة والإنتاج والدراسة والسفر والسياحة والعلاج تأثرت بهذه الحرب، سواء كنت مقيماً في دولة جارة مثل بولندا أو بعيدة مثل جنوب أفريقيا أو أستراليا.
بعد ثلاثة أيام من اندلاع هذه الحرب التي دخلت شهرها السابع قبل أيام، أدان الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) هجوم موسكو على كييف، ودعا إلى وقف الحرب وعودة السلام فوراً. وندد الاتحاد باستخدام القوة من قبل روسيا في بيان نقلته محطة «CNN» قائلاً: «العنف ليس حلاً أبداً». وقبل أن يبادر الأمين العام للأمم المتحدة بالشعور بالقلق، اتخذ مجلس الفيفا قرارات قال إنها ستظل سارية المفعول حتى إشعار آخر، وهي: لن تقام أي منافسة دولية على أراضي روسيا، ولن يتم استخدام علم أو نشيد روسيا في أي مباراة تشارك فيها فرق من اتحاد كرة القدم الروسي. كما استبعد روسيا من كأس العالم في قطر للسبب نفسه.
وذكر الفيفا أنه سيواصل اتصالاته مع اللجنة الدولية والاتحاد الأوروبي لكرة القدم والمنظمات الرياضية الأخرى لتحديد أي تدابير أو عقوبات إضافية بما في ذلك استبعاد روسيا من المسابقات إذا لم يتحسن الوضع بسرعة. كما أصدر بياناً سمح فيه للاعبين والمدربين في البطولتين الروسية والأوكرانية بفسخ عقودهم مع الأندية.
أما الاتحاد الدولي للجودو فقد علق منصب الرئيس الفخري له، وهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بسبب هذه الحرب. وتأسس هذا الاتحاد في يوليو (تموز) 1951 ويضم 200 اتحاد وطني في جميع القارات، وهناك 20 مليون شخص حول العالم يمارسون الجودو بعد أن كنا نعتقد أن هذه الرياضة العنيفة، مثل مصارعة السومو، تقتصر على بعض الدول مثل الصين واليابان وكوريا.
ووصلت الأمور إلى إيقاف الاتحاد الدولي للشطرنج بطل الشطرنج الروسي سيرغي كارياكين لمدة ستة أشهر بسبب دعمه للحرب الروسية على أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، علق الاتحاد الدولي للشطرنج مشاركة المنتخبين الروسي والبيلاروسي في بطولات الشطرنج باستثناء البطولات الفردية.
وبسبب الحرب، ألغى الاتحاد الدولي للسباحة بطولة العالم للناشئين التي كانت ستقام في مدينة قازان الروسية في شهر أغسطس (آب) الحالي. وهي بطولة تقام كل عامين. ونقل موقع «روسيا اليوم» عن الاتحاد الدولي لكرة السلة أنه لن يسمح للأندية الروسية والمسؤولين الروس بالمشاركة في البطولات التي تقام تحت رعايته على خلفية «العملية العسكرية الروسية الخاصة» في أوكرانيا حتى إشعار آخر. ويشمل القرار بيلاروسيا.
ووصفت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية ردود فعل الاتحادات الدولية إزاء الحرب الروسية على أوكرانيا بأنها «مَحَت روسيا من الرياضة العالمية». وعلى صعيد دول أخرى، أعلنت بولندا والتشيك والسويد مقاطعة المنتخب الروسي في تصفيات كرة القدم. كما انضم إلى القافلة الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، معلناً أن منتخبه الوطني «لن يخوض أي مباريات ضد روسيا في المستقبل المنظور». وألغى الاتحاد الدولي للسباحة مباراة في الدوري العالمي لكرة الماء، كان مقرراً أن تجري في مدينة سانت بطرسبرغ في شهر مارس (آذار) الماضي. وقال الاتحاد الأوكراني للتنس في رسالة إلى الاتحاد الدولي: «المدنيون يموتون بما في ذلك النساء والأطفال، والبنية التحتية للمدن تنهار. هذه حرب شاملة ستدفع بلادنا لعقود إلى الوراء».
وتصاعدت الأمور في الكرة الطائرة بعد أن سحب الاتحاد الدولي للكرة الطائرة من روسيا تنظيمها مونديال 2022 الذي كان مقرراً أن يتم بين أغسطس (آب) الحالي وسبتمبر (أيلول) المقبل، بسبب اجتياحها لأوكرانيا. وكانت بولندا بطلة العالم وفرنسا بطلة الأولمبياد قد حذرتا من الانسحاب في حال الإبقاء على الاستضافة الروسية. وذكرت قناة «فرنس 24» أن هذه الضربة الجديدة انتكاسة للمنتخب الروسي الذي توج بفضية أولمبياد طوكيو في الصيف الماضي، وكان يأمل في الوصول إلى ذهبية أولمبياد موسكو لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
حتى في رياضة التزلج على الجليد، انضم الاتحاد الدولي لهذه الرياضة إلى قائمة الاتحادات التي استبعدت روسيا وبيلاروسيا من المشاركة في بطولاتها، وتم بالفعل استبعاد النجمتين الروسيتين شيرباكوفا وكاميليا فالييفا.
لقد شهد العالم منذ الشهر الأول للحرب الروسية ضد أوكرانيا مقاطعات وعقوبات رياضية ضد روسيا فيما وصفته وسائل الإعلام بـ«انتفاضة رياضية ضد الحرب». وقالت رسالة أصدرتها حركة الرياضيين العالمية، إن الرياضيين الأوكرانيين وعائلاتهم في «خطر جسيم».
كل ما تقدم من استعراض رياضي رافض للحرب الروسية جانب أحادي سلبي في ردود الفعل؛ لا يوقف الحرب ولا يداوي جريحاً ولا ينقذ بريئاً من الموت ولا يطمئن طفلة أوكرانية ترتجف رعباً من انفجار الصواريخ والقنابل. لكنه يحمل لافتة إنسانية في الانحياز إلى السلام سواء في أوكرانيا أو فلسطين أو أي دولة أفريقية فقيرة وجائعة وعطشى.
هذا المقال ليس سياسياً، والعرب ليسوا ضد روسيا، لكنهم ضد الحروب؛ سواء في أوكرانيا أو العراق أو سوريا أو ليبيا أو اليمن أو فلسطين أو تايوان أو حتى إيران. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم ينص على حرمان أي إنسان رياضي أو سياسي أو عقائدي من ممارسة حياته بشكل اعتيادي ما لم يرتكب جرماً أو خروجاً على القانون. ما مسؤولية متزحلق روسي على الجليد في قرار قيادة روسيا السياسية والعسكرية بشن حرب على أوكرانيا لكي يتم حرمانه من ممارسة رياضته المفضلة أو المشاركة في مباريات وسباقات؟ ولماذا يتم منع فريق الكرة الطائرة الروسي من اللعب في أي دولة سواء في دورة أولمبية أو مباراة ودية؟
تنص المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه «لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات من دون تمييز من أي نوع بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسياً أو غير سياسي»، بل إن المادة نفسها تنص أكثر من ذلك على أنه «لا يجوز التمييز على أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص». الأفراد أو الجموع البشرية غير مُلزمة بدفع ثمن سياسات حكوماتها في الحرب أو السلام إلا إذا كانوا جنوداً أو عسكريين في الخدمة.
أريد أن أصل إلى ضرورة مراجعة الاتحادات الأولمبية لقراراتها المتطرفة بالمنع أو الحظر أو الإلغاء؛ فالعلاقات الإنسانية المشتركة والمسالمة هي «الأصل والفصل» بين البشر، وليس القرارات المزاجية من نوع منع رياضي روسي من ركوب دراجته الهوائية في سباق للدراجات بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.
TT
حقيبة عقوبات تنتهك حقوق الإنسان!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة