وليد أبي مرشد
صحافيّ وكاتب وخبير اقتصادي لبنانيّ
TT

مرحلة «الرعاية» الروسية لسوريا

بعد أن أوحت الصفقة الروسية - الأميركية بشأن وضع سلاح سوريا الكيماوي قيد الرقابة الدولية باحتمال توصل الدولتين إلى تسوية دبلوماسية للنزاع السوري المسلح، جاء موقف موسكو التشكيكي في تقرير المفتشين الدوليين عن الهجوم الكيماوي في غوطة دمشق ليقلص احتمالات هذه التسوية إن لم يكن ليردها إلى أسوأ مما كانت عليه قبل الصفقة الثنائية.

إصرار موسكو على التشكيك في تقرير المفتشين الدوليين - رغم تأكيد الناطق باسم الأمم المتحدة أن «نتائج هذا التقرير لا جدال فيها» - إضافة إلى تبنيها من دون أي تحفظ لمواقف النظام السوري من النزاع الداخلي، يعكسان منحى مقلقا في المقاربة الروسية المستجدة للحالة السورية قد تكون حصيلته الأولية عرقلة صدور أي قرار دولي ملزم للنظام السوري، سواء اتخذ بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة أو خارجه.

موقف موسكو المنحاز بشكل سافر إلى «روايات» النظام السوري ومنظريه عن الاستعمال المزعوم للسلاح الكيماوي من قبل المعارضة لا قوات النظام، مؤشر أولي لمرحلة مقبلة في النزاع السوري - مرحلة تقدم الحسم العسكري على احتمالات التسوية الدبلوماسية. وهذا الاحتمال يعززه قرار البنتاغون إبقاء انتشار السفن الحربية الأميركية في شرق البحر المتوسط على ما هو عليه تحسبا لضربات عسكرية محتملة على أهداف سورية.

قد تلام الإدارة الأميركية على مساهمتها في رفع مستوى الدور الروسي في سوريا من موقع الشريك (رغم التفاوت في نسبة الشراكة بين الجانبين) إلى موقع المبادر ومن ثم الموجه للمسألة السورية. اليوم يمكن القول إن سوريا دخلت مرحلة تصح تسميتها بمرحلة «الرعاية الروسية».

إذا كانت هذه المرحلة تثير تساؤلات عن مصداقية الدور الدولي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين فهي تطرح أسئلة أبعد من ذلك عن مستقبل وضع النظام السوري نفسه في أعقاب اعتماده المتنامي على الحماية الروسية والمترافق، حكما، مع تزايد مطرد للنفوذ الروسي، لا في سوريا فحسب، بل في المنطقة ككل.

من التبسيط بمكان الافتراض أن «الرعاية الروسية» للمسألة السورية رعاية مجانية تقدم لوجه نظام دمشق من دون مقابل، وإن كان الملاحظ، في هذا السياق، أن النظام السوري، بحكم كونه الشقيق الأوتوقراطي الأصغر، استحق بجدارة «رعاية» كل أعضاء نادي الأوتوقراطيات المتبقية في عالم اليوم: روسيا والصين وإيران، بما في ذلك ميليشياتها المسلحة.

ولكنّ لروسيا، في سوريا والشرق الأوسط، أهدافا تتعدى نطاق التعاطف السياسي مع شقيق أوتوقراطي صغير يعاني من الضيق إلى أبعاد استراتيجية تبدأ بتصفية حسابات عالقة مع الولايات المتحدة في المنطقة منذ انهيار الإمبراطورية السوفياتية من دون إطلاق رصاصة واحدة عليها، ولا تنتهي عند تحويل مرفأ طرطوس، رسميا، إلى قاعدة بحرية روسية في شرق البحر الأبيض المتوسط.

من هذا المنظور، تبدو دبلوماسية الرئيس فلاديمير بوتين حيال المسألة السورية محاولة متجددة للعودة إلى عصر روسيا الذهبي، أي العصر الذي عاشته في القرن الثامن عشر في عهد القيصرة كاترين الثانية، وكان مد النفوذ الروسي إلى مياه البحر المتوسط «الدافئة» أحد أبرز تطلعاته، مع ما يستتبع ذلك من عودة إلى أجواء «حرب باردة» يخلف فيه نادي الدول الأوتوقراطية دول المنظومة الشيوعية في صراع جديد مع الغرب على النفوذ العالمي.

يصعب الافتراض أن واشنطن غافلة عن الأبعاد الشرق أوسطية – والدولية - لدبلوماسية الرئيس الروسي التي حولت النزاع السوري إلى جزء لا يتجزأ من صراع نفوذ أوسع على الشرق الأوسط. لذلك بات المنعطف المستجد على دبلوماسية التعامل الروسي مع الأزمة السورية يبرر التساؤل: إلى متى تستطيع دبلوماسية واشنطن الشرق أوسطية البقاء أسيرة التيار «الانعزالي» الذي ورثته عن عهدي الرئيسين بوش الأب وبوش الابن وتجربتي العراق وأفغانستان؟

باختصار، إذا كانت موسكو نجحت في تحويل المسألة السورية إلى محك جدي لتوجهات الإدارة الأميركية الخارجية، فقد حان الوقت لأن تخرج الدول العربية من هواجس مقولة «إذا كانت عداوة الولايات المتحدة مكلفة... فإن صداقتها أكثر تكلفة».