من الصعب أن تحب أو حتى تعجب بشخص مثل إيلون ماسك، رغم أنه عندما كان في طريقه ليصبح أغنى شخص في العالم، أطلق الكثير من مبادرات التسامح مع الذات التي ربما جعلته يتخطى حتى الحدود التي اشترطتها «اتفاقيات باريس».
لا يحتاج ماسك لأن يكون شخصاً جذاباً، أو أن يكون سياسياً بارزاً لنقدر مساهماته الإنسانية العميقة. فمن خلال مساعيه في مجال الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية، قد يفعل ماسك المزيد لمكافحة تغير المناخ أكثر من مجرد أي ناشط بيئي أو سياسي يمكنك تسميته. يبدو ماسك أفضل حتى عند الحكم عليه في مقابل المليارديرات الآخرين الموجودين حول العالم في فلكه. فماسك لم يبنِ إمبراطوريته اعتماداً على ميراثه، أو بضربة حظ، أو بالاحتكار، أو التسلل وسط دهاليز السلطة. في الواقع، إن أعماله تهدف إلى تقويض بعض أكثر الصناعات ضرراً ورسوخاً على هذا الكوكب، ومن بينها مقاولو الدفاع، والمرافق، وشركات النفط، وشركات صناعة السيارات ذات محركات الاحتراق.
هناك أيضاً شيء ما هو ملهم وبشكل مباشر في قصة ماسك. فبعد طفولة مضطربة في جنوب أفريقيا، هاجر أولاً إلى كندا، ومنها إلى الولايات المتحدة، حيث التحق بالجامعة، وحقق ثروة من خلال عمل جاد دؤوب، وسعى لتحقيق طموحات تجعلك تفكر في أكثر من مجرد الضغط على زر «الإعجاب» في الإنترنت. قام مراراً بالوفاء بوعوده بعد أن صنع منتجات مبتكرة تعمل بشكل رائع وتسعد عملاءه وتفيد العالم. أليس هذا أفضل ما يمكن أن يأمله المرء من الرأسمالية؟
الإجابة على ما يبدو هي لا. فعلى مدار الأسابيع القليلة الماضية، عندما بدأ ماسك يبحث، في البداية على استحياء ثم بعزيمة، عن الاستحواذ على «تويتر»، صدمت قليلاً من حجم المعارضة - سواء في «تويتر» أو خارجها - لعرضه. ويوم الاثنين الماضي، عندما أعلن مجلس إدارة «تويتر» عن صفقة بقيمة 44 مليار دولار تقريباً لماسك لشراء الشركة، وصل الاستهجان إلى ذروته.
شعرت بقلق لأن بعض ممارسات أعمال ماسك بغيضة. فقد زعم موظفو شركة «تسلا» (لإنتاج السيارات الكهربائية) تفشي التمييز العنصري، والتحرش الجنسي، والممارسات غير الآمنة. كما أن أسباب ماسك المعلنة لشراء «تويتر» تبدو غامضة وساذجة للغاية، إذ يقول إنه يريد جلب «حرية التعبير» إلى المنصة، لكن ما يعنيه ذلك تحديداً، وكيف سيفعل ذلك، ومنع الخدمة من التحول إلى بؤرة كراهية ومضايقات أكثر خطورة مما هي عليه بالفعل، جميعها بدت أموراً لا تزال غامضة. قد يكون وجود ماسك على «تويتر» أمراً لا يطاق، نظراً لأن تغريداته غالباً ما تكون فجة، وقاصرة على الأحداث وكراهية النساء، وهي سمات ربما تكون أساساً لأكثر الأشياء غير السارة عنه.
ورغم ذلك، بصفتي مدمناً على «تويتر» منذ فترة طويلة، أجد فكرة تدمير المنصة أمراً مبالغاً فيه. يمكن القول إن تأثير «تويتر» على العالم كان سلبياً للغاية في ظل إدارته الحالية والسابقة. فخلال سنوات ترمب، أصبح الموقع بمثابة الهراوة التي قام بها رئيس مهووس بوسائل الإعلام لتخويف العالم من أجل تحويل الانتباه إلى غيره. لم يجد قادة «تويتر» الشجاعة لإغلاق بوق ترمب إلا بعد أن خسر إعادة انتخابه وحرض على التمرد.
بالتأكيد، يمكن أن يعيد ماسك حساب ترمب على «تويتر»، وربما يكون ذلك بمثابة كارثة للديمقراطية - لكن هذا الحصان ترك الحظيرة منذ فترة طويلة، وكان رؤساء «تويتر» القدامى، وليس ماسك، هم من فتح الباب.
القضية ليست فقط أنني أشك في أن «تويتر» تحت إدارة ماسك يمكن أن تصبح أكثر فظاعة مما هي عليه الآن. فهناك أيضاً مساحة كبيرة لـ«تويتر» لتصبح أفضل بكثير، وقد يكون ماسك، بسجله الحافل في إدارة الشركات المتطورة تقنياً وصنع منتجات تقنية رائدة، هو الوحيد القادر على إطلاق إمكاناته الكاملة.
من خلال اقتطاع جزء كبير من ثروته لجعل الشركة خاصة، يمكن لماسك أيضاً تحرير «تويتر» من ضغوط سوق الأسهم قصيرة الأجل لنمو الإعلانات، والسماح للشركة باستكشاف نماذج أعمال جديدة - مثل الاشتراكات - قد تكون أكثر ملاءمة للاستدامة على المدى الطويل. أو قد يفكر في أفكار جديدة كلياً لإصلاح المكان - وأنا، على سبيل المثال، متحمس لرؤية ما سيأتي به.
غالباً ما يصف المنتقدون ماسك بأنه مدفوع بما هو أكثر بقليل من المال والسياسة. فكثيراً ما انتقد سياسات الهجرة التي ينتهجها ترمب واستقال من المجالس الاستشارية الرئاسية بعد انسحاب ترمب من اتفاق باريس للمناخ.
العديد من المشاعر الريادية لدى ماسك هي رهانات طويلة المدى كان من الممكن أن تدمر ثروته بسهولة، وربما لا تزال على حالها. في عام 2002، بعدما كسب أكثر من مائة مليون دولار عن طريق بيع «PayPal» إلى شركة «eBay»، كان من الممكن أن يصبح ماسك رأسمالياً مغامراً ويعيش حياة رغدة. كتب آشلي فانس، مراسل «بلومبرغ» ومؤلف السيرة الذاتية الرائعة لماسك، يقول: «من بين أقل المشاريع التي يمكن أن يتخيلها شخص ما في هذا المنصب من الناحية المالية هي إنشاء شركة صواريخ. كان إنشاء شركة صواريخ هو ما فعله ماسك - وبعد ضخ الأموال أيضاً في مشروع آخر لحرق الأموال، هو مشروع (تسلا) - اقترب ماسك من خسارة كل شيء بعد فترة الركود العظيم».
لا تكمن عبقرية ماسك الحقيقية في جني الأموال فحسب، بل في صنع منتجات مبتكرة بشكل غير عادي. فمنذ وقت ليس ببعيد، قدت سيارة طراز «سي بليد»، سيارة السيدان الأفضل من نوعها من إنتاج «تسلا»، في رحلة طويلة في عطلة نهاية الأسبوع على ساحل كاليفورنيا. كشفت «تسلا» عن الموديل «إس» الأصلي في عام 2012، في ذلك الوقت كانت اختراعاً خيالياً، سيارة كهربائية فاخرة بدت وكأنها ألعوبة للمديرين التنفيذيين التقنيين، ولم تشكل أي تهديد لشركات صناعة السيارات في العالم التي تستهلك الكثير من البنزين.
في العقد الذي تلا ذلك، نمت «تسلا» لتصبح قوة عظيمة. عاماً تلو آخر، عملت على تحسين منتجاتها وتوسيع نطاقها وإنشاء بنية تحتية عالمية للإنتاج وأصبحت موضع حسد في عالم السيارات. ارتفع نموها، ثم انفجر ثم تحول إلى قوة جبارة: في عام 2012، سلمت «تسلا» حوالي 2650 سيارة، وفي عام 2021 باعت ما يقرب من المليون. ورغم أن بقية صناعة السيارات، برؤية نمو «تسلا»، قفزت إلى عربة السيارة الكهربائية، حافظت «تسلا» على ريادتها التي لا تقهر. وفقاً لاتجاهات سوق «إكسبيريان» للسيارات، في الربع الأخير من عام 2021، كان لدى «تسلا» أقل بقليل من 70 في المائة من حصة السوق من المركبات الكهربائية الخفيفة على الطرق في الولايات المتحدة، فيما شغلت باقي الشركات النسبة المتبقية.
أثناء قيادتي للسيارة «بليد»، كان بإمكاني أن أرى السبب. فالسيارة حلم، وهي واحدة من أسرع السيارات في السوق اليوم. تباع بسعر 130 ألف دولار، ويقال إنها تتمتع بالتسارع الموجود عادة في السيارات الخارقة بملايين الدولارات. في الوقت نفسه، مثل «تسلا» الأرخص ثمناً، تعد «بليد» أيضاً واحدة من أكثر السيارات الصديقة للبيئة التي يمكنك شراؤها. ويصل مداها إلى 405 أميال بشحنة واحدة، وهي فعالة مثل السيارة التي تعمل بالبنزين، والتي تقطع 101 ميل للغالون الواحد.
أروع ما وجدته هو كيف جعلت «تسلا» القيادة الكهربائية سهلة الاستخدام. فرغم أنها وُجدت في مناطق ذات كثافة سكانية منخفضة في كاليفورنيا، فأينما ذهبت لم أكن بعيداً جداً عن شاحن «Tesla Supercharger» الذي جعل كل شيء سهلاً. وكما كتبت من قبل، فإن السيارة الكهربائية ليست حلاً سحرياً لوسائل النقل، لكن العالم بلا شك سيكون مكاناً أفضل بفضل إصرار ماسك على جعل هذا الحلم الغريب حقيقة واقعة.
لا أستطيع أن أعد بأن ماسك سيحدث ثورة بالمثل على «تويتر»، لكن يمكنني التفكير في العديد من مالكي المواقع الأقل مهارة والأكثر إزعاجاً. وهناك دوماً ما يقلق في سلوك المليارديرات.
* خدمة «نيويورك تايمز»
8:7 دقيقه
TT
هل إيلون ماسك بهذا السوء حقاً؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة