وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

السعودية ثابتة والغرب متغير

في منتصف عام 2008، كان العالم كله يصيح من ارتفاع أسعار النفط كما هو الحال اليوم بعد أن وصلت إلى مستويات 130 دولاراً بسبب العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
حينها كانت الأسعار قد بلغت 147 دولاراً للبرميل، وسط أعنف أزمة مالية عالمية. والغريب أن السبب لا يزال واضحاً إلى اليوم.
ففي حين كانت دول «أوبك» تصر على أن ذلك الارتفاع سببه المضاربات الجنونية على النفط، كانت بعض الدول المستهلكة مثل الولايات المتحدة ترى أن السبب نقص الإمدادات من «أوبك».
أمام هذا الاختلاف بين المنتجين والمستهلكين، دعت المملكة من خلال منتدى الطاقة العالمي إلى عقد اجتماع طارئ في جدة لبحث الأزمة.
وانتهى الأمر بتعهد السعودية برفع طاقتها الإنتاجية إلى 12.5 مليون برميل إضافةً إلى 2.5 مليون برميل إضافية إنْ تطلّب العالم ذلك. كانت تلك هي آخر الأيام الجميلة لـ«أوبك»، عندما كان وزراء «أوبك» يحكمون الاقتصاد العالمي.
تغيرت الأمور كثيراً منذ ذاك الوقت، وضعفت «أوبك» ولم تعد الولايات المتحدة مهتمة بالمنظمة كثيراً لأنها أصبحت أكبر بلد منتج للنفط. ثم استعادت «أوبك» عافيتها بعد انضمامها لتحالف «أوبك بلس» وأصبح الأخير هو من يدير سوق الطاقة العالمية.
رغم مرور 14 عاماً على ذلك الاجتماع، فإن ذكراه لا تزال في بالي. التعنت الأميركي، وإلقاء اللوم على «أوبك» كان وما زال وسيظل حتى نهاية العالم.
وارتفاع أسعار النفط اليوم سببه الرئيسي العالم الغربي ومغامراته السياسية والعسكرية، والسياسات المتعنتة تجاه الاستثمار في النفط والغاز.
ولا يزال العالم يحتاج لـ«أوبك» والسعودية رغم كل هذا، ولا يزال العالم الغربي فاشلاً وهو يحاول الهروب من اعتماده وحاجته لـ«أوبك». ولا يزال المسؤولون الأميركيون ينظرون بتعالٍ إلى «أوبك»، ويعدّونها ودولها جزءاً من الحديقة الخلفية لهم.
لم يتعلم العالم الغربي شيئاً، وإلا لَمَا عادت أسعار النفط للارتفاع بهذا الشكل الجنوني. ولم تتعلم «أوبك» شيئاً وإلا لَما ظل غالبية دولها تعتمد على النفط والغاز حتى اليوم. وتبقى السعودية مع دول قليلة أخرى هي من تعلمت الدرس وحاولت الخروج من دائرة الاعتماد على النفط.
وما تعلمتُه شخصياً هو عكس ما نشأنا عليه، بأن الولايات المتحدة والغرب دول عظمى تخطط لسنوات طويلة للأمام.
إن الغرب اليوم عاجز عن التخطيط لأنه افتقر إلى الواقعية، وهذه الأزمة أثبتت ذلك.
الشيء الوحيد الذي لم يتغير هو ردة فعل الولايات المتحدة لكل دورة أسعار للنفط. وهو دليل على أن هذه الدولة لا تعي الكثير لأن العالم ليس ثابتاً والتغيير سنة الكون، والتغيير في السعودية مستمر بلا نزاع.