سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

بوتين يغزو... بايدن يصلّي

صباح الخميس، وفي ساعاته الأولى، كان يحدث ما هو متوقع: قوات فلاديمير بوتين تقتحم الجارة التاريخية، أوكرانيا، والصواريخ تدوي في العاصمة كييف والمدن الرئيسية، وفلاديمير بوتين يعلن من عليائه أنه لن يحتل أراضي في أوكرانيا، لكنه سوف ينهي - أو يقضي على - نزعتها النازية، وسوف يجردها من السلاح!
في المقابل وقف الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن أن «صلوات العالم أجمع مع أوكرانيا»، ومعها أيضاً العقوبات. طبعاً لا أحد يريد منه أكثر من ذلك، وإلا دخل العالم «منطق الحرب» كما قال فرنسوا ميتران عشية حرب العراق، و«منطق الحرب» يعني، ببساطة، الحرب.
ماذا يعني نزع السلاح وإلغاء الروح النازية؟ يعني أن ترضى أوكرانيا، بأن تكون دولة منزوعة السلاح ومجردة من القرار السياسي. وأن تخضع تماماً لإملاءات موسكو، وأن لا تكون لها أي علاقة خاصة مع أي دولة أخرى. بكلام أكثر وضوحاً، يجب أن تنسى الهوى الأوروبي بكل أشكاله، «فالأوكرانيون والروس شعب واحد في بلدين» كما قال بوتين في استعارة قول الرئيس حافظ الأسد إن السوريين واللبنانيين شعب واحد في بلدين. كذلك كانت دمشق تقول إن لبنان ليس في حاجة إلى قوة عسكرية لأن سوريا تتولى الدفاع عنه، ولذا منع عليه أن يكون لديه سلاح جوي، إلا ما كان عنده من طائرات «الهوكر هانتر» البريطانية التي اشتراها في الخمسينات. وتستخدم بريطانيا هذا النوع من الطائرات منذ السبعينات في العروض الاحتفالية بذكرى الطائرات الأوائل، والأخوين رايت، والأندلسي عباس بن فرناس، الذي قلد الطير في التحليق ناسياً القاعدة الذهبية في قول الإمام الشافعي «ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع». ولم ينتبه ابن فرناس إلى أن الطير يستخدم مخالبه في الهبوط لخفض السرعة، فكان أن فقد صفة الريادة في الطيران.
فلاديمير بوتين لم ينس شيئاً من قواعد الإذلال والإهانة والتأديب: طائرات، دبابات، صواريخ، شاحنات، تفجيرات، تهديدات، توبيخات، وتذكير بأن أوكرانيا مجرد اختراع من اختراعات سميه فلاديمير إيليتش. هكذا ينظر السوريون وعدد من اللبنانيين إلى لبنان: مجرد كيان اقتطع من سوريا. ولذلك، بقيت دمشق سنوات ترفض الاعتراف «بالكيان» اللبناني. ولما اعترفت جعلت ضابط أمن والياً عليه، ثم جعلت الثاني ولياً. وكان حظ الاثنين مثل حظ لبنان: الانتحار.
الذي يطمئن في هذه الحالات، صلوات المستر بايدن، فيما يزداد عدد الموتى والضحايا والمشردين الذين هم حتماً في حاجة إلى ذلك. يستحسن في هذه الأيام العودة إلى كتاب «انحدار الغرب» للألماني أوزوالد شبنغلر الذي يقول إن «التاريخ ليس خطاً مستقيماً» وهو لا يؤمن «بالإنسانية» التي يعتمد المستر بايدن على «صلواتها».