كلير بوند بوتر
TT

عهد رونالد ريغان وظلاله باهظة التكلفة

مع إعادة البناء بشكل أفضل، حاول الرئيس بايدن إحياء أخلاقيات الصفقة الجديدة التي تعمل على إقامة البنية الأساسية البشرية والمادية. لا أحد يحب فرض الضرائب، ولكن بناء الدولة التي يدرك الأميركيون فيها أن أسرهم آمنة وتحظى بالرعاية المنشودة أمر شائع عبر مختلف مستويات الحزب. ولم يكن من المفترض أن يصعب تسويق ذلك للناس.
ولكن ها نحن ذا. لقد تقلصت حزمة المصالحة إلى نحو تريليوني دولار فقط. واختفى شيء آخر: فرصة تغيير السرد الأميركي حول ما تقوم به الحكومة الجيدة. كان التشريع يوصف ذات يوم بأنه خطة لإحداث التغيير الاجتماعي الشامل مرة واحدة في كل جيل، ولكن بعض جوانبه التي بررت اختفاء المغالاة في المبالغة، مثل تغطية الأسنان والرؤية للمستفيدين من الرعاية الطبية والكلية المجتمعية المجانية. وقد تم تخفيض الإجازات العائلية والطبية المدفوعة بشكل حاد.
توفر الدول الصناعية الأخرى شبكة أمان أقوى بكثير من تلك التي لدينا وحتى تلك التي اقترحها بايدن. ومع ذلك، يصر الجمهوريون وديمقراطي واحد على الأقل على أن الإنفاق على الرعاية الاجتماعية على هذا النحو يعرض صحة البلاد المالية والأخلاقية للخطر.
كيف وصلنا إلى نقطة أن تقديم القليل للأميركيين فضيلة، والرعاية الاجتماعية الشاملة امتياز؟
يرجع الأمر إلى 20 يناير (كانون الثاني) 1981، في ذلك اليوم العاصف البارد، أدى رونالد ريغان اليمين الدستورية لتولي منصبه الرئاسي، وهو الذي كان قد سخر من الغش الأسطوري لرعاية النساء خلال الحملة الانتخابية، وهي التيمة التي كرر الحديث عنها منذ حملته الانتخابية في عام 1966 لمنصب حاكم ولاية كاليفورنيا. وكان الرئيس الديمقراطي المهزوم جيمي كارتر، موجوداً في المنصة، وشارك ريغان نفوره من الإنفاق الاجتماعي. وأثناء فترة رئاسته، كلف كارتر، وزير الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية جوزيف كاليفانو الابن بوضع قواعد «داعمة للعمل ومؤيدة للأسرة» للمستفيدين منها (رغم أنها لم ترَ النور قط).
وذهب ريغان إلى أبعد من ذلك. ففي خطابه الافتتاحي ربط الحكومة ذاتها بالانحدار الوطني. فقد أعلن أن الأزمة الاقتصادية في سبعينات القرن العشرين كانت «متناسبة مع التدخل والتطفل في حياتنا الناجم عن النمو المفرط وغير الضروري للحكومة». وكانت البرامج الاجتماعية مهدرة. والأسوأ من ذلك أنهم أغروا الأسر بالتبعية.
بعبارة أخرى: الحكومة التي تساعد الأسر تفعل ذلك بالحد الأدنى من جهودها. لقد تحولت الفكرة إلى منطلق أخلاقي أميركي، مع بقاء السلطة من خلال الإدارات الجمهورية والديمقراطية على حد سواء. فقد كانت الهجمات على البرامج الاجتماعية تصور الفقر بأنه فشل أخلاقي، مع استغلال القوالب النمطية العنصرية لتصوير الرعاية الاجتماعية على أنها بؤرة جاذبة للأميركيين المجرمين، والفاشلين في أعمالهم، والمتقاعسين. والواقع أن الاعتقاد بأن الأسر الناجحة تساعد نفسها ظل يشكل مادة عقائدية لدى الحزبين الكبيرين إلى أن خاض عضو مجلس الشيوخ الاشتراكي بيرني ساندرز الانتخابات الرئاسية.
في عهد ريغان، تمكن المحافظون أخيراً من البدء في تفكيك دولة الصفقة الجديدة والمجتمع الكبير الخاص بالرئيس ليندون جونسون. وفي عامي 1981 و1982، قام ريغان بتخفيضات تفوق 22 مليار دولار في برامج الرعاية الاجتماعية، بما في ذلك القروض الطلابية الفيدرالية، وقانون العمالة والتدريب الشامل، وهو برنامج متواضع كان يمد الشركات بتكاليف تدريب وتوظيف الأشخاص المحرومين اقتصادياً.
وعلى أي حال، ارتفع العجز الفيدرالي، حيث خفض ريغان الضرائب وعجل بالإنفاق العسكري. فبعد أن ورث ديْناً وطنياً يبلغ نحو 995 مليار دولار، ضاعفه إلى ثلاثة أمثاله تقريباً. ولكن الناشطين المحافظين ما زالوا يواصلون الهتاف.
في حقيقة الأمر، جعلت إصلاحات الرعاية الاجتماعية التي قام بها ريغان الفقراء أكثر فقراً. وحين بلغت فترة الركود ثلاثة أعوام في عام 1980، سقط ستة ملايين مواطن أميركي آخر في هوة الفقر، وبحلول عام 1989، تعافت العمالة، ولكن شبكة الأمان الاجتماعي الضعيفة كانت تعني أن العمال كانوا قاب قوسين أو أدنى من المصاعب القاسية.
كان الديمقراطيون متواطئين. في عام 1992، ورغم أنه كان سيحاول (ولكنه فشل) تمرير نظام الرعاية الصحية الوطنية، فقد وعد الرئيس بيل كلينتون «بإنهاء الرفاهة الاجتماعية كما نعرفها». وإذ تطلع إلى فترة ولاية ثانية، هاجم لاحقاً الحكومة الكبيرة. وينص قانون التوفيق بين المسؤولية الشخصية الحزبية والتوفيق بين فرص العمل لعام 1996 على أن تعمل الأمهات في وظائف ذات أجور منخفضة بدون الحصول على استحقاقات الرعاية الصحية، وأن تربط المعونة الغذائية بالعمل، وأن تحدد فترة خمس سنوات على مدى الحياة بالنسبة للاستحقاقات التي تدفع بأموال فيدرالية. وبحلول سنة 1999، كانت الأمهات العازبات اللاتي يعملن في «العمل» قد غرقن أكثر في الفقر.
وكان أداء الديمقراطيين التقدميين أفضل بصورة طفيفة. ففي عام 2012، اتهم الجمهوريون الرئيس باراك أوباما بتفكيك عقود من بنود «الرفاهية إلى العمل»، مع نظام جديد من الإعفاءات، ومتطلبات العمل، والمنح التي كان لزاماً على الولايات اتباعها. وفي حين تم تمرير قانون الرعاية الميسورة التكلفة بشكل ضيق، وتحت الضغوط من كلا الطرفين، فإنه تخلى عن الرعاية الصحية الشاملة.
واليوم، يبلغ معدل الفقر نحو 11 في المائة، نحو ما كان عليه في سنة 1973، ويغطي الآن انعدام الأمن الاقتصادي الطبقة العاملة الفقيرة والطبقة المتوسطة. يقول بعض خبراء الاقتصاد الآن إن البؤس الناجم عن عقود من الفشل في دعم الأسر العاملة مهد الطريق لرئاسة دونالد ترمب.
لقد فشل تخفيض البرامج الاجتماعية، ومع ذلك فإن هذه المبادئ الأخلاقية ظلت تقودنا إلى يومنا هذا. لماذا؟ أولاً، منذ إبرام الصفقة الجديدة، روّج المحافظون للزيف القائل إن برامج الرعاية الاجتماعية الشاملة تكافئ الأميركيين لأنهم لا يعملون. وثانياً، عندما فشلت برامج المجتمع العظيم في القضاء على الفقر، بدلاً من جعل المساعدات الفيدرالية أكثر إتاحة وشمولاً، ربط بعض الليبراليين ضمناً الرفاهة الاجتماعية بالعمل ولمّحوا إلى أن عدم القدرة على تغطية النفقات كان مشكلة أخلاقية.
وعلى هذا، فإن أنصار الأفكار المبتذلة من عصر ريغان ما زالوا على قيد الحياة وفي حالة جيدة، حتى في الحزب الديمقراطي، وهم يقوّضون الجهود الرامية إلى مساعدة الطبقة المتوسطة المحاصرة أيضاً. ورغم أن السيناتور جو مانشين قال إنه ليس ضد منح إجازة مدفوعة الأجر، فإن بعض تعليقاته لا تزال تدعم الأسطورة القائلة إن برامج الرعاية الاجتماعية الشاملة تشكل خطراً أخلاقياً وطنياً. «لا أستطيع أن أقبل اقتصادنا أو مجتمعنا بصورة أساسية»، هذا ما أعلنه عضو مجلس الشيوخ مانشين وهو يطالب بالمزيد من التخفيضات في البنية التحتية البشرية، «متحركاً صوب عقلية الاستحقاق».

* خدمة «نيويورك تايمز»