حنا صالح
كاتب لبناني
TT

حكومة «الثورة المضادة» لتطيير التحقيق وسرقة الانتخابات!

تتغير الأوزان في المنطقة، تتقدم تحالفات جديدة وتنكفئ أخرى، ولكل طرف قراءته للتطورات فيسعى إلى دفع الأمور وفق المنحى الذي يرى فيه خدمةً لمصالحه، والهمّ الأكيد لصانع السياسة هو القلق من ألاّ تأتي أي إعادة تشكيل للمنطقة على حساب بلده!
هذا ما يجري حولنا إلاّ في لبنان، وقد سلمت الطبقة السياسية قرار البلد إلى الخارج من خلال «حزب الله». منظومة متحكمة تعيش غياباً عن الوعي الوطني، تتغير الأسماء لكن يستمر تنفيذ المرسوم لها مقابل مقاعد في الحكم والحصص. نجحت في مهمة إيصال اللبنانيين إلى ذروة الذل والضياع، أضعفت مناعتهم وحددت لهم أولوياتهم، فبات المواطن في مواجهة مع شبيهه وليس المنظومة الفاسدة. طغت الأولويات الحياتية ليصبح الخصم محطة المحروقات والصيدلي... فيما الخصم هو المسؤول عن مذلّته كما ارتهان البلد، هو كل الطبقة السياسية التي تفشى فسادها كالسرطان في أوصال الوطن ولا نجاة إلاّ باقتلاعه!
في التوقيت الملائم للجهة المهيمنة، تم الإفراج عن تأليف الحكومة الجديدة التي استنسخت في تركيبتها، أسوأ ما جاءت به حكومات «الوحدة الوطنية» التي تحكمت طيلة العقود الماضية. كانت السلطة قد تشظّت بعد تدمير طال كل جهات البلد، وعمّ الشلل المؤسسات التي تحولت هياكل فارغة لا روح فيها ولا حياة.
سابقاً تحددت مهام حكومة حسان دياب بتأديب اللبنانيين، الذين ثاروا على منظومة الحكم ورفعوا شعار «كلن يعني كلن». فتركت الانهيارات تتعمق، وأشرفت على تنفيذ قرار قضى بنقل الثروة من الداخل إلى الخارج، إنْ من خلال تهريب الرساميل، أو تهريب السلع المدعومة حتى آخر سنت! فتلتها حكومة «الثورة المضادة» وأولويتها وفق «حزب الله» أن ينسى الناس ما حملته إليهم «17 تشرين» من آمال باستعادة الدولة المخطوفة واستعادة الدستور وسيادة القانون والفرص المتكافئة وإطلاق الطاقات. جاءت لتفرض تطيير التحقيق العدلي في جريمة تفجير المرفأ الإرهابية، بعدما هددت الإجراءات التي اتخذها المحقق العدلي طارق البيطار، كل الطبقة السياسية بسقوط حر، فور الادعاء بالجناية على مروحة من كبار السياسيين والأمنيين والعسكريين. ووضعت نصب أعينها مهمةً محوريةً هي استعادة الثقة بنظام المحاصصة الطائفي والعودة بالبلد إلى ما كان عليه قبل «17 تشرين» وقبل جريمة «4 آب»! أي إلى الانتخابات دُرْ رغم ممانعة الرئيس عون خوفاً من الاندثار!
وضع «حزب الله» في التنفيذ التهديد الذي أطلقه حسن نصر الله في 27 أغسطس (آب)، بوقف التحقيق العدلي وتغيير القاضي البيطار. وفيق صفا المسؤول الأمني في الحزب يهدد من قصر العدل علانية بـ«قبع» المحقق العدلي، ويقابَل التهديد بصمت مطبق من الطبقة السياسية، وغياب نقابة المحامين، فيما دفن القضاء رأسه في الرمال (...)، ويقول مقربون من «الحزب» مثل وئام وهاب إن المسؤول عن تفجير المرفأ «ما حدن قادر يجيبو»! ويحصل في لبنان أن وزراء ونواباً مدعى عليهم بالجناية، لم يمتثلوا أمام القضاء، فأعلنوا أنهم تحت مرجعيتهم الدينية وليس الدستور، وادّعوا على القاضي وتحوّل بعضهم إلى مراجع في القضاء الجنائي والفقه الدستوري ليحددوا نوعية القاضي الذي يمكن أن يمْثلوا أمامه! عاونتهم غرف سوداء وضعت فذلكات لا قانونية، لكنها كافية، مع وجود قضاة «غب الطلب»، لوقف المحقق عن التحقيقات التي وصلت إلى مرحلة حاسمة، وشعارهم «ممنوع إعلان الحقيقة في مجزرة المرفأ من فوق قوس المحكمة»، رغم أن القاصي والداني يعلم من هو المجرم والشركاء الذين تواطأوا إلى أدوار المدعى عليهم جنائياً!
يوم الاثنين طالب مجلس الأمن الدولي حكومة ميقاتي بتحقيق عادل وشفاف، ما حمل تحذيراً من مخاطر استمرار القتل كفعلٍ عادي، واستسهال إيجاد قاضٍ «مدجن» يملك قدرة إزالة آثار «عدوان» القاضي البيطار. لن يمر منحى مصادرة القضاء لأنه يرتب أثماناً على البلد والمجتمع الذي تحوّل بأسره إلى ضحية، بدليل الاحتضان الشعبي أمس (الأربعاء) لمسار العدالة ولقاضي التحقيق. القضية طويلة وإن كان في جعبة المتسلطين الكثير من وسائل العرقلة، بينما بالنسبة إلى المواطنين لن يفلت المدعى عليهم من الحساب، فالإدانة ترافقهم وباتوا مرذولين شعبياً، وتم تحديد المجرمين حتى تُثبت المحكمة العكس!
يبقى رهان المتحكم في قرار حكومة الانتخابات لتعويم المنظومة، فتم إعداد العدة مسبقاً لسرقة النتائج! في لبنان تكون الانتخابات ديمقراطية شكلاً، ففي ظلِّ احتلال النظام السوري كانت النتائج تُعرف مسبقاً، وأداؤهم يشي اليوم بأن شيئاً لن يتغير مع سيطرة النظام الإيراني من خلال «حزبه»! يريدون أن يرسّخوا في الأذهان أنهم يتحكمون في العوامل الداخلية، وسيعيدون تشكيل البلد، وتحديد موقعه، والاصطفاف المفروض!
بدأ «حزب الله» مبكراً حملته بالترهيب معلناً أنه يعتزم التصدي للتغيير ومنع تطويق الحزب! ويقول النائب محمد رعد: «يتوهمون أن بإمكانهم تغيير المسار السياسي في البلد»، لكنه لا يخبرنا من هم، بل يوجه الإنذار بأنهم لن يسمحوا لأي منحى أن يمس بسيطرة «حزب الله» على لبنان، أياً كانت النتائج، ما يذكّر بأن نصر الله عام 2009 قال: «ليحكم من يفوز في الانتخابات»، وعند خسارته وفريقه فرض بالقوة اقتسام الحكم!
تبدأ عدة الشغل الانتخابية أولاً بحملة تيئيس عبّرت عنها التشكيلة الحكومية، والتحالف الذي ضمّ كل المتسببين في خراب البلد وتجويع أهله وتهجيرهم لتقول: النتائج أمامكم، والهدف عزوف واسع عن المشاركة في العملية الانتخابية ترشيحاً واقتراعاً! وثانية الأولويات تقديم الانتخابات إلى 27 مارس (آذار)، فيصيبون عصفورين بحجر واحد؛ من جهة حشر قوى الاعتراض في الفترة الزمنية المحدودة ما قد يَحول دون إمكانية خوض معركة جدية. ومن الأخرى، أن انتخاباتٍ قبل 30 مارس تعني خلو لوائح الشطب من أسماء عشرات ألوف الشباب الذين لن يقترعوا بذريعة شكلية مفادها أن الوقت حال دون تصحيح اللوائح! غير أن العنوان الأبرز الذي يعوّلون عليه لسرقة نتائج الانتخابات يكمن في حجب حق الاقتراع عن المغتربين!
يمنح القانون المغتربين حقوق المقيمين، ولطالما ركزت قوى السلطة الدعاية على دور الدياسبورا اللبنانية في انتشال البلد، بفعل التحويلات التي تجاوزت في عام 2020 رقم 3.6 مليار دولار. لكن مشاركتهم في الانتخابات بعد نهب الودائع مسألة أخرى! فمن أصل نحو مليون و700 ألف حساب للمودعين نهبوا بالكامل هناك نحو 500 ألف حساب لمهاجرين خدعوا بالفوائد والأكاذيب عن قوة الليرة فخسروا جنى أعمارهم، والمنتظر أن يقترعوا بكثافة ضد قوى السلطة التي هجّرتهم ونهبتهم، لذلك توافقوا على حجب هذا الحق عن المغتربين، والذرائع متعددة وأهمها المجاهرة بأن «حزب الله» المصنّف على لائحة الإرهاب لن تتوفر له الفرص كالآخرين لخوض المعركة فيسقط شرط التكافؤ! لكن إبعادهم يُسقط شرعية الانتخابات!
إنه مخطط المضيّ في مصادرة قرار اللبنانيين واختطاف الدولة، وهو أبرز مهام حكومة «الثورة المضادة»، لكنّ الوقائع والإمكانات الشعبية المتنوعة عصيّة على التدجين ولن تسهّل المضيّ باقتلاع البلد، والآتي قريب!