من وجهة نظر عربية، كان هجوم 11 سبتمبر (أيلول) فاتحة كوارث ما زالت تتوالى على المنطقة وسكانها وفرص تحقيق تنمية وتحسين شروط الحياة فيها. كان خلاصة إرهاب عدمي انتهى بتحطيم ذاته ودعاته بعدما تسبب في قتل مئات آلاف المدنيين وتدمير مدن وحواضر ومجتمعات.
«الحدث المطلق» بعبارة جان بودريار (في كتابه «روح الإرهاب») لم يكن بالنسبة لمواطني الشرق الأوسط من شتى الأعراق والأديان، مواجهة لا مفرّ منها بين العولمة وصورتها المتجسدة في مركز التجارة العالمي في نيويورك وبين الإسلام، ولم يكن تجسيداً للعنف الرمزي الذي ردّ به الإسلام على اختلال علاقات التبادل، السلعية والمعرفية وعلى الهيمنة الغربية على المجتمعات المسلمة، على ما يذهب كتّاب ما بعد الحداثة، بل كان استخراجاً لكل ما في المجتمعات تلك من تناقضات وصراعات وطرحها على الملأ من دون القدرة على مقاربتها وحلها. كان 11 سبتمبر استجلاباً لخصم أرعن عثر على ضالته التي بحث عنها منذ نهاية الحرب الباردة فوجدها في إرهاب لا معنى له ولا مشروع، ولا تصور عن المستقبل.
الحدث التأسيسي للقرن الحادي والعشرين لم يكن «صداماً بين همجيتين»؛ همجية النهب الرأسمالي تقابلها همجية الإرهاب العدمي فحسب، بل كان أيضاً إعلاناً عن عجز المجتمعات العربية والمسلمة، ودول العالم الثالث عموماً، عن نزع السيطرة الغربية من خلال التكيف مع العصر. كانت العودة إلى مقولات قرون غابرة وفتاويها ودعاويها أسهل وتبرير قتل المدنيين في مدن الغرب، أسهل من الاعتراف بالقصور والفشل التاريخيين اللذين حالا دون إنجاز تنمية قضت على أحلامها وعلى إمكاناتها ديكتاتوريات عسكرية.
لم يقتصر الدمار الذي نشرته أنظمة الاستبداد في الشرق الأوسط عموماً، على سحق فرص «تقليد» الغرب في مسيرته الحداثية، بل حالت أيضاً دون صوغ نموذج يأخذ المعطى المحلي الثقافي والاجتماعي والديني في الاعتبار. ويقول التشخيص الرائج إن القمع وملاحقة المعارضين وخنق الحريات العامة هو السبب الأول في بروز الجماعات الإرهابية المسلحة التي لجأت إلى السراديب والكهوف بعد أن مُنعت من إعلان آرائها على المنابر وفي الساحات المفتوحة. وأن العنف كان البديل الوحيد المتاح لهذه الجماعات التي اجتاحها الاعتقال والتعسف.
مهما يكن من صحة هذا التشخيص فلا مناص من القول إن إرهاب الجماعات المغلقة والسرية ليس محصوراً بالإسلام الحركي والجهادي وإن أوروبا والولايات المتحدة عرفتاه على أيدي مجموعات الأناركيين في القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين. بل يتعين الانتباه إلى أن الثورات العربية التي انطلقت بعد عقد من هجوم 11 سبتمبر، كانت النقيض التام للتشخيص المذكور؛ ذاك أن الدول التي شهدت تلك الثورات لم تتميز بحكم ديمقراطي ولا بأنظمة تعلي من قيمة العدالة والقانون وحقوق الإنسان، ومع ذلك، امتدت الثورات وعلى دفعات ومراحل وأعوام. نتائج الثورات لم ترتق إلى مستوى آمال الأجيال التي صنعتها، إذ سرعان ما سقطت في التناقضات السابقة عليها بين أجهزة السلطة الراسخة (أو «الدولة العميقة» كما يحب البعض تسميتها) وبين انتهازية قوى الإسلام الحركي التي قفزت على الثورات واستغلت ضعف تنظيمها وضبابية مطالبها وانعدام القيادة والبرنامج والهدف لديها. الحروب الأهلية والهجرات واسعة النطاق والدمار هي ما يُقدم من نتائج لتلك الثورات. لكن هذا بحث آخر.
احتلال أفغانستان بعد شهرين من هجوم 11 سبتمبر، كان رأس جبل جليد «الحرب على الإرهاب». لكن بالقدر الذي كان الإرهابيون يفتقدون إلى الرؤية وإلى الكفاءة في إدارة صراع مع الغرب الذي أيد من دون تردد إسقاط حكم طالبان في كابل، افتقر المهاجمون إلى كل ما يشبه ولو شبهاً بعيداً، الكيفية التي سيديرون فيها مجتمعاً أثخنته حرب أهلية واحتلال سوفياتي سابق. بيد أن ذلك لم يمنع الولايات المتحدة من الهجوم على العراق بعد عامين بذرائع تبيّن لاحقاً كذبها، لتجد أميركا والغرب نفسيهما في الموقف ذاته أمام العراقيين الذين واجهوا فجأة حريتهم المغلفة بأحقاد قديمة وجديدة.
بعد الهجوم على نيويورك وواشنطن، قال كاتب عربي شهير في معرض بحثه عن مخرج من الكارثة التي كانت غيومها تتجمع فوق سماء الشرق الأوسط، إن العرب أضعف وأكثر جهلاً من أن يخططوا لهذا النوع من العمليات المعقدة التي تتطلب معرفة تقنية وأمنية رفيعة المستوى. ربما تصح هنا إجابة من صنف إجابات بودريار إن ضعف العرب وجهلهم هو الذي حملهم على تنفيذ هذه الهجمات. فلو كانوا أقوياء، بالمعاني الاجتماعية والسياسية، لأدركوا عواقبها. لا يرمي هذا الكلام إلى إلقاء مسؤولية الهجمات على العرب كشعوب ومجتمعات، على النحو الذي فعلته بعض القوى العنصرية في الغرب، لكنه يسعى إلى الإضاءة على معضلة السياسة والتنمية والعدالة في هذا الجزء من العالم.
7:44 دقيقه
TT
11 سبتمبر بصفته حدثاً عربياً
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة