طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

تهنئات... بلا مزايدات يا «صديقي العزيز»!

في عام 2008، وقبل إلقاء الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، كلمة في الأمم المتحدة، وكان وقتها زخم مبادرة السعودية للحوار بين الأديان، وصلنا كإعلاميين سعوديين لأخذ مقاعدنا المخصصة في القاعة.
بعد الجلوس وصل وفد إسرائيلي واتجه مباشرة لمكان جلوس البعض منا، وما هي إلا لحظة وتفرق الجمع بمشهد يشبه إلقاء كرة بولينغ على الأجسام الخشبية المخصصة لذلك، ليفترق الشمل خشية التقاط صور، أو أن يحرج البعض بمصافحة.
حدث كل ذلك خشية المزايدة «الرخيصة»، أو انتشار صور تكون بمثابة الاغتيال المعنوي. كان منظراً لافتاً منح الوفد الإسرائيلي حرية اختيار الجلوس كيفما شاء، وبالطبع أكسبهم التعاطف، وهذا ما يحدث دائماً في المحافل الدولية.
بعد ذلك الموقف، وفي عام 2009، تم ترتيب مقابلة لمجموعة من الصحافيين مع الرئيس الأميركي الجديد حينها باراك أوباما، بعد خطابه الشهير في القاهرة، الذي حضره مجموعة من الصحافيين، أحدهم كان ناحوم رنيه من صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية.
كما حضره جمال خاشقجي، رحمه الله، رئيس تحرير صحيفة «الوطن» آنذاك، وشاهيناز حبيب من «ستار» الماليزية، ووفاء عمر من صحيفة «الأيام» بمدينة رام الله، ومجدي الجلاد، وكان وقتها رئيس تحرير «المصري اليوم» المصرية، ومر اللقاء من دون أي ضجة.
وفي 7 يونيو (حزيران) 2009، قال جمال خاشقجي لهذه الصحيفة إنه لا يرى في هذا اللقاء أي تطبيع، مضيفاً: «لسنا هنا نمارس سياسة، نؤدي فقط عملنا الصحافي والإعلامي. ربما لو طلب منا إصدار بيان مشترك عن الصراع العربي - الإسرائيلي لتوقفت كثيراً، أما أن أتغيب عن اللقاء لمجرد حضور هذا الصحافي الإسرائيلي فهذا في تقديري ليس وارداً وليس عملاً مهنياً».
حسناً... لماذا كل ما سبق؟ أكتب بسبب الضجة التي أُثيرت بحق الشابة السعودية تهاني القحطاني التي تعرضت إلى حفلة تنمر، واغتيال معنوي، وذلك بعد مشاركتها الأولمبية ضد لاعبة جودو إسرائيلية.
أولاً، الشابة السعودية تهاني تستحق كل الاحتفاء والتهاني، لأنها مثّلت بلادها في محفل أولمبي مهم، وليس في ذلك تطبيع، ولا إقحام في السياسة، والحملة التي تمت بحقها ما هي إلا حفلة مزايدات، وآن الأوان للتوقف عن هذه المزايدات بمنطقة ابتذلت المزايدة.
ثانياً، علمتنا الأحداث، ومنذ الحروب الإسرائيلية - العربية، بكل تفاصيلها، أن اللقاءات السرية بين أطراف عربية وإسرائيلية كانت تتم على قدم وساق، وحتى قبل أسبوعين، وهو ما تكشفه لنا الوثائق، والكتب، والأخبار الصحافية.
ثالثاً، لم يجِد الانسحاب العربي، وأياً كان نوعه، بشرح قضايانا، بل إنه منح إسرائيل المساحة للتأثير، كما منحها التعاطف الدولي، والإعلامي. ورغم هذا وذاك، فإن السلام الإسرائيلي عُزف ببعض الدول الخليجية، وفُتح مكتب لإسرائيل، وقبل الجميع، ولم نرَ هذه الحملات، وجل من زايد على الشابة السعودية هم من أبناء الدول التي وقّعت اتفاقيات سلام مع إسرائيل.
كما لم نسمع مثل هذه الضجة يوم خاطب الإخواني محمد مرسي، وهو في سدة حكم مصر، نظيره الإسرائيلي شمعون بيريز بعبارة «صديقي العزيز». وعليه، كفى مزايدات، وكل التهاني لـ«تهاني».