طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

«حسينية البيت الأبيض»

يبدو أن لكل رئيس أميركي راغب في التقارب مع إيران ملامح ثورة إيرانية داخلية. حدث ذلك إبان الثورة الخضراء التي قرر الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، تجاهلها، والآن هناك ملامح ثورة الأحواز، وهي أكبر وأعقد من أزمة مياه.
ومن الواضح أن الإدارة الأميركية الحالية لا تتعاطى مع الأحواز بجدية، رغم التقارير المؤكدة عن ممارسة العنف المفرط من قبل القوات الإيرانية. وسبب التجاهل الأميركي الآن هو الرغبة في إتمام مشروع أوباما للاتفاق النووي مع إيران.
وما أشبه الليلة بالبارحة، حيث تجاهل أوباما العنف الإيراني في أربع عواصم عربية، وتجاهل الثورة الخضراء بإيران، رغم كل الضحايا، واليوم يحدث الأمر نفسه مع الإدارة الأميركية الحالية.
اليوم نحن أمام عنف إيراني مستمر داخلياً وخارجياً، ورغبة أميركية ملحة لتجاهل ذلك العنف، وإن حصل في الأحواز، أو حتى محاولة اختطاف ناشطة إيرانية من الأراضي الأميركية نفسها.
رغم كل ذلك، فإن الإدارة الأميركية مصرة على المضي قدماً لإبرام اتفاق نووي من دون الالتفات للحقائق على الأرض، في إيران والمنطقة، وحتى الحقائق المتوافرة بالداخل الأميركي عن الإرهاب الإيراني.
وما لا تدركه الإدارة الأميركية، أو قل التيار الأوبامي، أن سجل إيران الحالي، وليس القديم، يوجب شروطاً مختلفة للتفاوض مع طهران، ومنها ضرورة وقف العنف والإرهاب الإيراني في إيران نفسها، والمنطقة، والعالم.
وما لا يدركه التيار الأوبامي أنهم لا يتعاملون مع نظام قادر على احترام القوانين الدولية، وأقل أسس التعايش بالمنطقة، بل كما وصفهم الأستاذ أمير طاهري، بمقاله الأخير في صحيفة «الشرق الأوسط» بعنوان: «على بايدن توخي الحذر في فيينا».
في مقاله المهم هذا، الذي يستحق الترجمة والترويج بكافة الطرق، يقول طاهري إنه لم يعد بإيران معتدلون، بل «حاشية تقول إنها ترغب في تحويل البيت الأبيض إلى حسينية بمجرد نجاح الحركة الخمينية العالمية من فرض سيطرتها على الولايات المتحدة».
أقول إنه مقال مهم كونه احتوى تفاصيل السجل الإيراني الإرهابي، ومنذ الثورة الخمينية، مما يظهر أن التعامل مع إيران لا يمكن أن يكون فقط عبر اتفاق نووي معزول عن وقف الميليشيات الإيرانية، وانتشار الأسلحة، وتدمير الدول العربية، وأكثر.
والواضح اليوم أننا أمام طرفي نقيض قررا الصمت عن الحقائق، والسير في طريق الأوهام، وهما واشنطن وطهران؛ حيث تتجاهل واشنطن الحقائق الماثلة أمامها عن الإرهاب الإيراني، بينما تريد طهران العودة للمجتمع الدولي وفق شروطها كدولة راعية للإرهاب.
وأبسط مثال على العقلية الإيرانية هو تصريحات المرشد الإيراني حيال مظاهرات الأحواز؛ إذ يقول علي خامنئي «على الناس أيضاً أن ينتبهوا أن العدو يريد الاستفادة من كل شيء صغير ضد البلاد والثورة وضد المصالح العامة للناس»!
والحقيقة أن واشنطن وطهران تتجاهلان أن الناس يثورون على إيران نفسها بالداخل، ولعدة مرات، ويثورون على إيران بالعراق، واليمن، وسوريا، ولبنان، بسبب الإرهاب الإيراني.
وهذه حقائق، ومهما أنكرها البعض في واشنطن، فالنموذج الإيراني نموذج فشل باتفاق أو بدون اتفاق. ولا يمكن التعامل مع إيران بيد ممدودة هكذا، ومنذ مدها أوباما برسالة للمرشد الإيراني.