أكرم البني
كاتب وصحافي سوري وناشط في مجال حقوق الإنسان وإحياء المجتمع المدني. مواليد مدينة حماة - سوريا 1956. درس الطب البشري في جامعة حلب. يكتب في الشأن السوري.
TT

سوريا في حسابات القمم العالمية!

بدا لافتاً تواتر انعقاد غير قمة عالمية مع الجولة الأولى للرئيس الأميركي الجديد... قمة الدول السبع، قمة زعماء حلف شمال الأطلسي «الناتو»، قمتين للرئيس بايدن مع كل من الرئيس التركي إردوغان، والرئيس الروسي بوتين، مثلما بدا لافتاً ضعف اهتمام هذه القمم بالأزمة السورية، ولنقل عدم إدراجها كبند مستقل وملحّ في جداول الأعمال والمباحثات، وذلك على الرغم من فرادة وعمق المأساة التي يعيشها السوريون منذ أكثر من 10 سنوات.
لا يخطئ من يرجع السبب إلى موقع سوريا الهامشي في سلم اهتمامات سيد البيت الأبيض، ولنقل تغييبها المتعمد عن أهدافه المباشرة، مقابل تقدم تحديات معلنة يعتبرها أكثر أهمية، كالصين وروسيا والاتفاق النووي مع إيران وفيروس كورونا، وهو أمر ليس جديداً، بل يشكل استمراراً طبيعياً لموقف أميركي سلبي، وكان دون المستوى، كدولة عظمى، تجاه فظاعة ما حدث بسوريا؛ حيث بدت واشنطن خلال سنوات الصراع الدموي كأنها غير مكترثة أو مضطرة للتدخل الجدي في معالجة تلك المقتلة، مكتفية بإدانة العنف السلطوي وفرض بعض العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على رموز النظام ربطاً بعبارات تفيض بدعم لفظي للشعب السوري وتعاطف مع معاناته، ولا يغير هذه الحقيقة رفضها لما قام ويقوم النظام به لتجديد نفسه، وعدم اعترافها بنتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت مؤخراً، أو التكرار الروتيني الممل من قبل غير مسؤول أميركي لمواقف عمومية تتعلق بضرورة الالتزام بخطة المعالجة الأممية للصراع السوري، كبيان جنيف (يونيو/ حزيران 2012) وقرار مجلس الأمن 2254 في يناير (كانون الثاني) 2015.
كما لا يجانب الصواب من يجد السبب في ميل واشنطن لتوظيف الملف السوري على هزالته، كورقة مساومة ومقايضة لانتزاع تنازلات من أهم الأطراف الموغلة فيه، مرة أولى، بربط غريب وخطير بين الوضع السوري والاتفاق النووي مع إيران، في رهان أن يشكل ذلك حافزاً لتشجيع طهران على إنجاح التسوية، مستهترة بخصوصية المحنة السورية وإلحاح معالجتها بعيداً عن مصالح وحسابات المتدخلين فيها، ومرة ثانية، عبر التذكير بدورها في تغطية الوجود العسكري التركي والإيحاء بقدرتها على خفض المخاوف من الجيب الكردي في مناطق شرق الفرات، للضغط على حكومة أنقرة ولجم اندفاعاتها لتوسيع نفوذها الإقليمي وتثبيت صفقة صواريخ «إس 400» التي أبرمتها مع موسكو، ومرة ثالثة، للنيل من القيادة الروسية وتعرية استهتارها بالقيم والمعايير الإنسانية، فعندما يقرر بايدن في لقائه مع بوتين حصر مباحثاتهما حول الشأن السوري بالملف الإنساني والمساعدات الأممية للمحتاجين والمتضررين، ويشدد على مطالبته بتمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، مظهراً مخاوفه من استخدام حق النقض بمجلس الأمن في العاشر من الشهر المقبل لعرقلة تجديد هذه الآلية، فإنه بذلك يثير اتهاماً وإدانة ضمنيين لروسيا بالمسؤولية عن تفاقم ما يكابده ملايين السوريين، حين استخدمت «الفيتو» ضد تمديد عمل هذه الآلية الدولية، وتسببت في إغلاق 3 من أصل 4 معابر إنسانية، كانت تمرر عبرها المساعدات الأممية الرئيسة، وما يعزز غرض التعرية تقديم وعود أميركية باتخاذ إجراءات لتخفيف معاناة السوريين المعيشية في مناطق سيطرة النظام وتسهيل إيصال بعض المساعدات الإنسانية إليهم، كانت فاتحتها القرار الذي أصدرته واشنطن منذ أيام لوقف بعض العقوبات المتعلقة بالجانب الصحي لتمكين دمشق من مواجهة فيروس كورونا، من دون أن نغفل الثمن المحتمل أن تقبضه واشنطن لقاء توسيع تعاونها مع موسكو إلى أكثر من مجرد قنوات اتصال بين العسكريين لتفادي الصدام خلال العمليات في سوريا، ما قد يتجلى بتنازلات روسية في قضايا أخرى، خاصة مع وجود مسؤولين في الإدارة الأميركية راغبين في بيع ملف سوريا لروسيا مقابل تحقيق مكاسب أميركية في ساحات أخرى من ساحات الصراع على النفوذ.
«لم تعد سوريا مغنماً، بل باتت عبئاً ثقيلاً» هي عبارة لها كثير من الحقيقة اليوم، وتأخذنا إلى ما وصل إليه المشهد السوري، ليس فقط من زاوية حجم الخراب والقتل والتشرد والتفكك، وإنما أيضاً من زاوية طابع القوى المؤهلة لتلقي أي دور خارجي نشط وتفعيله، وإذا استثنينا قوات سوريا الديمقراطية وخصوصية تركيبتها الكردية، فقد أثبتت التجربة أنه ليس لدى المعارضة السورية طرف وازن وذو صدقية يمكن أن تركن إليه واشنطن وتتعاون معه، فبعض أطرافها بات يرتهن للدور التركي، وبعضها الآخر يدور في فلك موسكو وتفتنه الشعارات الآيديولوجية المعادية للإمبريالية. زاد الطين بلة التحول الأوروبي والأميركي عن هدف إسقاط النظام إلى الاكتفاء بتغيير سلوكه، وأيضاً التراجع النسبي لخطر «داعش» في سوريا، وتالياً للحاجة الغربية في حشد القوى لمواجهته، تحدوها إشارات متواترة، يحاول أن يرسلها الجولاني «قائد جبهة النصرة» لنيل رضا المجتمع الدولي والقبول به كطرف في المستقبل السوري، والأهم حجم التكلفة وحسابات الربح والخسارة في بلد، كسوريا، يرتبط بعدد من الملفات الإقليمية الحساسة والخطيرة، ويرجح أن تكون تبعات وأثمان السياسة النشطة فيه باهظة ويصعب تعويضها!
مع بدء جولته الأولى، أعلن الرئيس بايدن عن رغبته في «استعادة الموقع الريادي لأميركا على الساحة الدولية»، ما شجع السوريين على طرح أسئلة مشروعة ومريرة؛ هل يصح أن يستعاد هذا الموقع من دون الاعتراف بالمسؤولية الأخلاقية والسياسية لواشنطن عن الانهيار الحاصل في بلدهم، وعن دورها في إطالة أمد الصراع الدموي لاستنزاف خصومها، وعن إحجامها كدولة عظمى عن حماية المدنيين، وما حل بهم من فظائع وقتل ودمار؟ وكيف يمكن أن يستعاد حين يُلحق البيت الأبيض الملف السوري بلهفته لإبرام اتفاق نووي جديد مع طهران، ولو جاء على حساب مستقبل السوريين ودماء ملايين الأبرياء وتضحياتهم، والمثال اتفاق عام 2015، عندما تم تحرير مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية المجمدة بسبب العقوبات، ذهب القسط الأكبر منها للتخريب في سوريا، عدا العراق واليمن ولبنان؟ ويبقى السؤال: هل هو حلم بعيد المنال أن يترقب السوريون من جحيم معاناتهم لحظة تطغى فيها قيم العدل ومبادئ الحرية والمساواة على لغة القهر والغلبة والمصالح الضيقة والحسابات الأنانية، لحظة تتسابق فيها الشعوب والنخب السياسية لنصرة حقوق الإنسان كمعايير أممية موحدة، لا يجوز لأحد أن يتخطاها؟