وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

ما بعد وصول النفط لثمانين دولاراً

كل شيء يحدث بسرعة هذه الأيام، وهناك كثير من القطع المتناثرة في كل مكان، والتي تحتاج إلى أن نضعها في قالب واحد حتى نفهم ماذا يحدث من حولنا، وإلى أين نسير هذا العام مع أسعار النفط؟
ولنفهم ما قد يحدث في الأشهر الستة القادمة. فلقد اجتمع وزراء الطاقة والنفط ضمن تحالف دول منظمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبك) وكبار المنتجين خارجها، التحالف المعروف باسم (أوبك+) يوم الأول من يونيو (حزيران)، وفي اجتماع قصير جداً (لم يتجاوز 25 دقيقة تقريباً) توصلوا إلى مواصلة زيادة الإنتاج التدريجي في يوليو (تموز)، والاجتماع كل شهر لمراجعة تطورات السوق، على أن يكون الاجتماع القادم في الأول من يوليو لتحديد ماذا سيفعلون بعد ذلك.
هذا الخبر كان مريحاً للسوق نوعاً ما ولكن ليس للدرجة المطلوبة، فرغم أن التحالف استجاب للتحسن في الطلب وزاد من إنتاجه فإن المضاربين والمصافي يريدون وضوحاً أكثر حيال خطة التحالف لزيادة الإنتاج على مدى الأشهر الستة القادمة وليس فقط لشهر يوليو.
حقيقةً من الصعب على التحالف اتخاذ أي قرار أكثر من القرار الشهري، وشخصياً أتمنى أن يظل التحالف يعقد اجتماعات شهرية بصورة دائمة لأن هذا التحالف الذي تقوده السعودية وروسيا هو الجهة الوحيدة القادرة على إدارة سوق النفط (لم تكن الاجتماعات الشهرية ممكنة لولا تعوُّد الجميع على الاجتماعات الافتراضية عن بُعد والتي وفّرت على الكلّ مشقة السفر إلى فيينا بصورة شهرية وجعلت من الاجتماع أمراً سهلاً في أي وقت).
وتكمن الصعوبة في أن هناك مجاهيل في السوق على مدى الأشهر الستة المقبلة. نعم هناك تحسن في الطلب وهبوط في مخزونات النفط إلى مستويات قريبة جداً من متوسط السنوات الخمس الأخيرة 2015 – 2019، إلا أن هذا التحسن على أساس بيانات أولية للطلب وهبوط في المخزونات -التي تعد المعيار المتّبع لمعرفة حالة السوق- وإحدى الركائز التي على أساسها قام التحالف بالحد من زيادة المخزونات فوق متوسط السنوات الخمس بصورة كبيرة. وهناك مجهول آخر، وهي عودة إيران لتصدير نفطها خلال الأشهر الستة القادمة إذا ما توصلت إلى اتفاق نووي مع القوة الكبرى خلال الأيام القليلة المقبلة.
والذي يرى أسعار النفط اليوم وما وصلت إليه قد ينخدع بما سوف تكون عليه في الأشهر الستة القادمة، فنفط برنت وصل إلى 70 دولاراً للبرميل في العقود الآجلة، وأصبحت هناك تكهنات بأن يكون هذا السعر هو الأرضية وليس السقف للأسعار حتى نهاية 2021، بل إن هناك توقعات كثيرة بأن نرى النفط عند 80 دولاراً في الربع الرابع من العام الجاري، وما زالت مستمرة ولم تفقد مصداقيتها حتى الآن.
نعم هناك تحسن على الطلب وهناك تراجع في المعروض، وحتى لو عادت إيران إلى إنتاجها الكامل فإن هناك سيناريوهات كثيرة من بينها سيناريو ظهور فجوة بين العرض والطلب على نفط التحالف بنحو مليوني برميل يومياً، وإذا لم تتمكن إيران من زيادة الإنتاج ستصل هذه الفجوة إلى 4 ملايين برميل يومياً.
وليست «أوبك+» وحدها التي ترى تحسناً، بل حتى إن وكالة الطاقة الدولية تتوقع أن يعود مستوى الطلب على النفط عند مستويات ما قبل جائحة «كورونا» خلال عام، وطبعاً لا أحد لديه القدرة على زيادة الإنتاج حالياً سوى التحالف وبالأخص السعودية.
كل هذه الأسعار والتوقعات الوردية ليست مبرراً لأن يتخلى التحالف عن حذره وينجرف إلى زيادة الإنتاج بشكل أكبر، لكن من حق المصافي أن تخطط لمشترياتها خلال الأشهر الستة القادمة وإلا ذهبت لشراء النفط من السوق الفورية لتخزينه خوفاً من نقص المعروض.
إذاً الدول النفطية في وضع جيد هذا العام ومداخيلها سوف تعوّض خسائر العام الماضي عندما فقد السوق 9 ملايين برميل من الطلب اليومي ووصلت أسعار النفط إلى سعر بيع بالسالب (بخسارة 37 دولاراً يدفعها البائع للمستهلك ليأخذ النفط بدلاً من تكدسه في سابقة تاريخية).
أمام هذه الصورة الجميلة لعام 2021 يجب ألا ننسى التحديات التي يحملها. العالم تغير وسيتغير للأبد، ومهما عادت الحياة لطبيعتها قبل جائحة «كورونا»، فإن الحياة لن تعود كالسابق. ستظل الاجتماعات الافتراضية وبيئات العمل عن بُعد في النمو، وستظل التجارة الإلكترونية تنمو بعد تعود المستهلكين عليها.
وفي الوقت ذاته، هناك إدارة أميركية جديدة لديها سياسة لمواجهة التغير المناخي بمستهدفات عالية جداً، وأصبح سيناريو الوصول إلى انبعاثات كربونية صافية بحلول 2050 مطلباً على مستوى الحكومات انتقل الأسبوع الماضي إلى مجالس إدارة أكبر ثلاث شركات نفط مدرجة في أسواق الأسهم العالمية. وأصبحت وكالة الطاقة تطالب بعدم الاستثمار في النفط والغاز لدعم اتفاقية باريس.
في النهاية، لنترك الحديث عن المدى البعيد قليلاً، ولنعد إلى العام الجاري ولنستمتع بالأسعار الحالية... حتى حين.