زهير الحارثي
كاتب وبرلماني سعودي. كان عضواً في مجلس الشورى السعودي، وكان رئيساً للجنة الشؤون الخارجية، وقبلها كان عضواً في مجلس «هيئة حقوق الإنسان السعودية» والناطق الرسمي باسمها. حاصل على درجة الدكتوراه في فلسفة القانون من جامعة كِنت - كانتربري في بريطانيا. وهو حالياً عضو في مجلس أمناء «مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني». عمل في النيابة العامة السعودية إلى أن أصبح رئيساً لدائرة تحقيق وادعاء عام. مارس الكتابة الصحافية منذ نحو 3 عقود.
TT

الأزمات مفتوحة... تحصين الهوية العربية!

إيران وتركيا دولتان جارتان للعرب، ولا نقلل من قيمة الحضارة والتاريخ، ونحترم الشعوب وعقائدها، لكن ما يحدث أحياناً أنه قد يتعرض هذا الشعب أو ذاك في بعض الأوقات إلى محن ومصائب بوصول زعامات وقيادات تتولى السلطة، وبالتالي تتحكم في مصائر تلك الشعوب التي لا حول لها ولا قوة. حزب العدالة والتنمية في تركيا ونظام الملالي في إيران نموذجان يجسدان تلك الحالة وبامتياز، ويلعبان اليوم بسياسة بلديهما ويقحمانهما في مشاكل ونزاعات، ويضمران الشر والبغض للأمة العربية، ولا يستطيعان الانفكاك من رواسب الزمن والتاريخ.
لسنا في حاجة لتبيان مدى النزعة القومية الفارسية واختراقها النسيج العربي، وقد سمعنا مراراً تصريحات لمسؤولي النظام الإيراني من أن طهران نجحت في تصدير ثورتها، وأنها تزيد نفوذها بسيطرتها على القرار السياسي في أربع دول عربية عن طريق ميليشيات طائفية تابعة لها.
دعونا نركز هنا على جزئية التدخل الخارجي في شؤون الدول العربية، فعندما تقترب ملفات المنطقة مثلاً لحلول بتوافق دولي وفجأة تتعقد الأمور، عليك أن تفتش عن إيران التي تضع العراقيل، وتفعل في الخفاء ما تنكره في العلن، ساعية لضمان وجودها ونفوذها في تلك الدول التي دمرتها. لن نذهب بعيداً، فالتعاطي مع المبادرة السعودية للأزمة اليمنية برعاية أممية، التي رحب بها المجتمع الدولي بشكل غير مسبوق تكشف لنا، وبوضوح، أن الحوثي لا يملك قراره، لأنه لا يوجد مسوّغ قانوني أو أخلاقي أو تبرير مقنع لرفض وقف الحرب وفتح المطار، ولكن صاحب القرار رفضها، كما جاء على لسان الحاكم العسكري الإيراني في صنعاء، لأن بقاء الوضع على ما هو عليه يصب وبامتياز في مصلحة نظام إيران، كونها ورقة لا يمكن التفريط فيها، وتُستغل في المفاوضات والمقايضات، من دون أي اكتراث لمصلحة اليمن وشعبه ما يؤكد أن إيران كانت وما زالت السبب الرئيس وراء إطالة الحرب، إن أردنا الحقيقة.
هذا يقودنا إلى تلك الإشكالية، وأعني بها إدارة الأزمات/ التحالفات، سواء داخل المحيط العربي، أو في النطاقين الإقليمي والدولي. عالمنا العربي مثلاً، وبمزيد من الشفافية، لم يعش ومنذ التحرر من الاستعمار حالة من الانكشاف كما يعيشها اليوم. العالم العربي بدوله الاثنتين والعشرين يواجه تحديات، تتباين من دولة لأخرى، منها ما هو داخلي وما هو خارجي.
دول تفتقد للسلم الأهلي، ودول مخترقة وتعاني الويل من التدخل الخارجي كما تفعل إيران وتركيا، ومما يثير الاشمئزاز بمساعدة قيادات وشخصيات محلية في دولها لتعبث بمقدرات الشعوب والأوطان. بعض الزعامات والقيادات وبأفعالها غير السوية قدمت قناعاتها المؤدلجة واهتماماتها الفئوية على حساب مصالح أوطانها لتجر بلادها إلى شبح الحرب الأهلية وعدم الاستقرار. المثير للدهشة أنه عندما تُطرح صراعات العرب ومشكلاتهم للنقاش والبحث والمعالجة تجد تدخلاً وتعليقاً وحضوراً من أطراف ومشاركين وفاعلين، ولكنهم للأسف من غير العرب في حين لا وجود لدور عربي فاعل.
جامعة الدول العربية تأتي في مقدمة هؤلاء من ناحية عدم قدرتها أو عجزها عن حل تلك الأزمات، رغم أن معظم الدول العربية تتفق على التحديات والمخاطر المشتركة، لكنها في المقابل لا تفعل شيئاً منتجاً تجاهها، بدليل أنه لا توجد استراتيجية عربية للتعاطي مع تلك التحديات والتهديدات بما يدفع باتجاه الوصول لحلول وتسويات.
غياب الاستراتيجية العربية ساهم في تعميق الشرخ ما وفر الفرص لتلك القوى دولية كانت أم إقليمية في المنطقة لصناعة عمق استراتيجي، وفق أجندتها، وعبر الضغط في مناطق عربية مجاورة لها، أو من خلال تعميق الخلافات والصراعات العربية - العربية.
يبدو للمرقب أن نظام الجامعة الحالي أثبت فشله، وليس من باب المبالغة القول إنه أخذ في التآكل والذوبان. النظام الإقليمي العربي الراهن عجز عن القيام بوظائفه الأساسية؛ كوظيفة الأمن الجماعي العربي، أو التكامل الاقتصادي، أو حتى التنسيق في السياسة الخارجية، ما فتح الباب لتلك القوى الإقليمية لتشرع بملء الفراغ.
لقد آن الأوان لاستشعار المجتمع الدولي خطورة ما تفعله إيران، وذلك باللجوء إلى تقليم أظافرها المنتشرة في عالمنا العربي، والتصدي بقوة أكبر للتهديد الذي تشكله، وبما يكفل الامتثال لقرارات الأمم المتحدة، فالمسألة ليست تنديداً واستنكاراً بقدر ما هي مرحلة وزن لخطورة أفعال طهران وجسامتها، وأن تكون الضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية أدوات حازمة لمحاسبتها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى الاستشعار بضرورة بناء حصن للهوية العربية والقومية في اليمن والعراق ولبنان وسوريا لمواجهة النفوذ الإيراني، لأنه لا يوجد حقيقة ولاء في تلك الدول لفكر الإمامة الشيعي الثوري في إيران، وإنما لأسباب ومنافع مادية واقتصادية بحتة.
حماية الأمن القومي العربي تكون عبر مواجهة المشاريع التي تُحاك ما يخلق حالة من توازن القوى في المنطقة، ولذا من المهم وجود سياسة عربية فاعلة تستطيع أن تملأ الفراغ والتحرك جدياً لإصلاح البيت العربي عبر خريطة طريق تحقق تطلعات الشعوب.