«الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول» مبدأ من مبادئ السياسة الخارجية الإيرانية الذي لا يفتأ النظام الإيراني يردده. هذا الأمر يتجلى في تصريح المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية أن «سياسة إيران تجاه دول المنطقة مبنية على حسن الجوار وعدم التدخل، وأن المزاعم الواهية بشأن التدخل في الشؤون الداخلية لا أساس لها جملة وتفصيلا».
ولكن ما المحصلة؟ تطبيق عملي مغاير لما تقدم وتدخل مستمر.
مهلا، هل يؤمن النظام الإيراني بأن ما يقوم به يُعد تدخلا ويتعارض مع المواثيق الدولية؟
التصريحات الإيرانية تؤكد الرفض التام لهذا الأمر. لماذا يا ترى؟ لأن هذا التدخل يفنده بل ويبرره مبدأ آخر في السياسة الخارجية الإيرانية وهو نصرة المستضعفين والدفاع عنهم، وظهور النظام الإيراني بوصفه راعيا لشيعة العالم. وبالتالي فهذا لا يُعد تدخلاً، وإنما واجب ومبدأ أصيل.
وبين هذا المبدأ وذلك تطل علينا شواهد كثيرة تؤكد مضي النظام الإيراني في القيام بخطوات نجده في حالة من الهيجان في حال تعرضه للأمر ذاته.
وحتى لا يقرأ البعض على أن ما تقدم هو تحامل على النظام الإيراني، نسير مع القارئ لنستعرض بعض الشواهد وله الحرية في الحكم.
بداية كان للمسؤولين الإيرانيين مواقف منتقدة جدا لما جاء في تقرير مقرر الأمم المتحدة أحمد شهيد حول حقوق الإنسان وقلقه من تنامي حالات الإعدام في إيران وحرية التعبير واعتقالات الصحافيين، واعتباره مُسيسا وذا أبعاد سياسية. كما تأتي الانتقادات التي صاحبت إعدام ريحانة جباري من قبل الجمعيات والدول الغربية بمثابة تدخل في الشؤون الداخلية من منظور النظام الإيراني.
الأمر لا يتوقف عند ذلك فحسب، بل يرى النظام الإيراني والتيار الأصولي تحديدا أن من يتحدث عن مسألة الإفراج عمّن يطلق عليهم رؤوس الفتنة (مهدي كروبي ومير حسين موسوي) يعتبر جزءا من تيار الفتنة. وخير دليل على ذلك ما يتعرض له هاشمي رفسنجاني حين يتطرق لهذا الأمر، حتى وإن كان بطريقة غير مباشرة.
وإذا رأينا موقف النظام الإيراني من تيار الفتنة كما يطلق عليه، فإن التوجسات الأمنية والتخوف من تهديدها للنظام دفعه لاتخاذ التدابير التي من شأنها دفع هذا التهديد غير آبه بالانتقادات الخارجية ومعتبرا إياها تدخلا في شؤونه. هذا الأمر لم تكن بدايته مع أحداث عام 2009، والمظاهرات التي صاحبت إعادة انتخاب الرئيس السابق أحمدي نجاد، بل رأينا شواهدها على مر السنوات المتعاقبة منذ نجاح ثورة عام 1979.
هل من شواهد أخرى؟ يتساءل القارئ. نقول نعم هناك شواهد أخرى سنأتي على ذكرها لاحقا كي تكتمل الصورة لدى القارئ.
أما الآن فجاء دور «إيران من النمر إلى سلمان»
كما هو معروف أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض قرارا بإعدام نمر النمر بعد إدانته بتهم إشعال الفتنة الطائفية والخروج على ولي الأمر وحمل السلاح في وجه رجال الأمن في السعودية. أما أمين عام جمعية الوفاق في البحرين السيد علي سلمان فقد تم تمديد حبسه على ذمة التحقيق بتهم الترويج لتغيير نظام الحكم في المملكة بالقوة. هذا الأمر دفع بالنظام الإيراني لينبري مدافعا عنهما بل ومهددا في بعض التصريحات.
المتتبع للموقف الإيراني لقضية النمر وسلمان يلاحظ التماهي في التصريحات بين الحالتين. ففي الوقت الذي يرى فيه نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني أن على جميع السلطات في إيران أن تتحرك من أجل منع إعدام الشيخ نمر، معتبرا أن إعدامه من الخطوط الحمراء بالنسبة لإيران، هدد المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حسين نقوي، البحرين، بالقول إن عدم الإفراج عن علي سلمان سيكلف النظام ثمنا باهظا، مضيفا أن المحتجين سيضطرون للجوء لأي خيار لتحقيق ذلك.
يذهب النظام الإيراني إلى أبعد من ذلك فيؤطر الأمر وفق توجهات مذهبية، حيث اعتبر آية الله مكارم شيرازي أن حكم إعدام بحق عالم دين كبير في المنطقة، أمر لا يطيقه مراجع الدين الشيعة وعلماء وكبار شخصيات مدرسة أهل البيت عليهم السلام ومحبيهم في العالم. ويستمر انبراء المسؤولين الإيرانيين وتأتي هذه المرة من رئيس أركان الجيش الإيراني فيروز آبادي في تعليقه على قرار إعدام النمر بقوله إن هذه الدماء ستفور في قلوب عشرات ملايين الشيعة وبين مسلمي العالم، وسيكون ثمنه باهظا جدا.
قائمة التصريحات تطول ويتجلى منها التوظيف المذهبي وبروز إيران بوصفها حامية لراية الشيعة. ولكن أين تلك الشواهد التي أشرنا للقارئ أننا سوف نسردها لتكتمل الصورة عنده؟
ألا يعلم القارئ أن النظام الإيراني والذي يتضح أنه يولي أهمية كبيرة لرجال الدين الشيعة في الخليج، أن هذا النظام قام بوضع كبار آيات الله رهن الإقامة حتى قضوا نحبهم مثل آية الله شريعتمداري في بداية الثورة وكذلك علي منتظري. ألا يعلم القارئ أن بعض نواب البرلمان الإيراني الذي يهددون ويحذرون من إعدام نمر النمر أنهم هم أنفسهم يطالبون بإعدام رجل دين شيعي وهو مهدي كروبي. لقد تم سحب مرتبة آية الله صانعي لأنه اُتُهِم في إيران بدعم الإصلاحيين. ويسوق النظام الإيراني السبب في ذلك بأن كل من تقدموا كانوا وبعضهم لا يزال يشكلون تهديدا للنظام.
يا من ترى أن النظام الإيراني مدافع عن رجال الدين الشيعة في الخليج، فلتعلم أن في إيران محكمة مخصصة لمحاكمة رجال الدين وقد تم الحكم على بعضهم بالحبس مثل حجة الإسلام محسن كديور وغيره بتهم مثل تهديد النظام وتشويه الإسلام والتطاول على الولي الفقيه.
أختم هنا بالقول إن رئيس مجلس صيانة الدستور وفي معرض رده على انتقاد أميركا زيارة جواد ظريف لقبر عماد مغنية قال: «ما دخلهم بذلك». فهل يرى القارئ أن هذا الأمر يمكن أن يقال للنظام الإيراني في تدخله في قضية النمر وسلمان وغيرهم؟
لإيران حضورها في المنطقة ونتطلع بأن تُسخِر هذا الحضور بصورة إيجابية وبدلا من أن يهاتف السيد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني نظراءه في العالم للتشاور حول مسألة القبض على علي سلمان كنا نتمنى أن يهاتف نظيره البحريني والبناء على ذلك في سبيل ترطيب الأجواء بين البلدين الشقيقين، وبالتالي يحقق وينفذ ما قاله رئيس الجمهورية الإيرانية حسن روحاني حول أهمية التقارب مع دول الخليج ومع المملكة العربية السعودية.
مزيد من هذه السياسة يعني مزيدا من التوتر الذي لن يخدم المنطقة واستقرارها.
ولندرك جميعا أن شيعة وسنة الخليج هم أبناء أوطانهم أولا وأخيرا ولا يحتاجون لأوصياء.
TT
إيران من النمر إلى سلمان
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة