توفيق السيف
كاتب سعودي حاصل على الدكتوراه في علم السياسة. مهتم بالتنمية السياسية، والفلسفة السياسية، وتجديد الفكر الديني، وحقوق الإنسان. ألف العديد من الكتب منها: «نظرية السلطة في الفقه الشيعي»، و«حدود الديمقراطية الدينية»، و«سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي»، و«عصر التحولات».
TT

حديث إلى أصدقائي المعلمين

سوف أكرس هذه المساحة للحديث عن الدكتورة ماريلين وايمر، ومنهجها في التعليم الذي سمته «استراتيجية التدريس المتمركز حول المتعلم». هذا بالطبع نص ثقيل لأنه ترجمة حرفية، وقد آثرت إبقاءه كما هو لأنه أوضح دلالة على المقصود، ولأنه عنوان الترجمة العربية لأبرز كتب الدكتورة وايمر.
أما سبب اختياري لها فيكمن في الأساس التجريبي الذي انطلقت منه. وهي تشرح هذا في مقدمة كتابها المذكور، فتقول إن اكتشافها لأهمية التركيز على التلميذ بدأ صدفة، ثم تطور إلى تجربة، ثم إلى تكنيك يرتبط بجملة من النظريات المعروفة في مجال التعليم: «كنت أرى ما نفعله في الفصول المدرسية غير مؤثر. فاخترت الأفكار التي ظننت أني قادرة على تطبيقها. واستغرقت بعض الوقت قبل أن ألاحظ أن الأساليب التي استخدمتها تحمل خصائص مشتركة، ثم اكتشفت أنها كانت تتصل بقواعد نظرية متينة».
لا أنسى الإشارة هنا إلى أن المادة التي كانت تدرّسها د. وايمر للطلاب تحمل عنوان «التواصل اللفظي»، وغرضها ببساطة هو تمكين التلاميذ من إجادة الحديث أمام الناس، وخوض مناقشة مثمرة، واكتساب مهارات الإقناع. وقد آثرت ذكر هذه التفاصيل لأنني لا أرى هذه المادة محل اهتمام في مدارسنا، رغم اعتقادي العميق بضرورتها لتمكين الطالب من التفكير النقدي، وتعزيز ميوله للارتقاء الاجتماعي، وكلاهما من العوامل الحيوية في عملية التعليم.
تقول د. ماريلين إنها شعرت بأن افتقاد طلبتها المستجدين للثقة بأنفسهم قد منعهم من التقدم بقوة في مقررات مادة التواصل اللفظي. وكان عليها أن تعينهم على التحرر من هذا الشعور القاتل، ومن الارتباك والخوف من الفشل، حتى يصلوا إلى مرحلة طرح الأسئلة في الصف، والمشاركة في مجموعات النقاش، والتحدث بشكل بليغ مؤثر أمام الزملاء.
وقد خطر في بالها أن تلك المشكلة قد تعالج بمنح الطلاب إحساساً أكبر بالسيطرة والتحكم. والسبيل إلى ذلك في اعتقادها كان تمكينهم من اختيار الطريقة التي يريدون اتباعها في التعلم. سيرون خيارات كثيرة، ويتخذون القرار، ويتحملون مسؤوليته: «خلال أول يومين، كان الطلاب مرتبكين. قال لي أحدهم: يجب أن تكون الاختبارات إلزامية؛ إذا كانت اختيارية، فلن يخضع لها أحد. فأجبت: بالتأكيد سيفعلون، فهم بحاجة إلى درجات لاجتياز المادة. فرد قائلاً: ماذا لو لم أخضع للاختبار؟ قلت: حسناً، عليك حل الواجبات الدراسية الأخرى كي تحصل على درجاتك. فسأل: وماذا سأفعل في أيام الاختبارات؟ فأجبته: بوسعك أن تبقى نائماً».
طلاب آخرون قالوا إنهم «لا يستطيعون اختيار الواجبات الدراسية التي يجب عليهم أداؤها، وطلبوا مني أن أتخذ القرار نيابة عنهم، وبعض آخر أرادوا مني الموافقة على خياراتهم قبل المضي فيها، لكني لم أفعل، وتركت الأمر لهم. الأمر بدأ فوضوياً. لكن بعد أيام من الارتباك والفوضى، تحول صفي إلى صف مثالي: أقل عدد من الغياب، رغم أني لا أسجل الغياب والحضور، وكان الطلاب يشاركون بحماسة في الأسئلة والمناقشات».
هكذا بدأت المسألة. لكن دعني أكرر جوهر هذه الفكرة، وهي نقل مركز الاهتمام من الكتاب والمعلم إلى التلميذ، والتحول من فكرة «تعليم التلاميذ ما يجب أن يتعلموه» إلى «تعليمهم كيف يعلّمون أنفسهم أو يتعلموا بأنفسهم». لقد تركت هذه النقطة إلى السطر الأخير، كي أذكّر القارئ العزيز بأنها جوهر عملية التعليم الحديث. وسنعود إليها لاحقاً.