حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

ضم... ومنظمة وسلام!

كان لافتاً جداً ذلك التبرير الذي قدمه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لشرح أسباب التدخل التركي العسكري في ليبيا، بقوله إن ليبيا «تركية الهوى»؛ في إشارة لتاريخ الوجود العثماني على الأراضي الليبية، ولكن إذا أخذنا الحجة نفسها، وطبّقنا المنطق نفسه؛ فما الذي يمنع أن تكون ليبيا «إيطالية الهوى»؟! فقد كانت، كما هو معروف، مستعمَرة إيطالية لسنوات غير قليلة، والشيء نفسه من الممكن أن يقال عن «الهوى الفينيقي» لليبيا التي كانت جزءاً من مملكة فينيقية امتدت من حدود لبنان اليوم وصولاً لشمال أفريقيا. وهذه المعضلة الأخطر المستخدَمة في الصراعات الحدودية الدولية بين الدول وبعضها، والمقصود هنا تحديداً «المرجعية التاريخية والأخلاقية» لإثبات الحق في ملكية وسيادة الأرض؛ فهناك دول اعتمدت على مسألة البعد التاريخي وأقدمية الوجود الموثَّق على الأرض، وهناك دول أخرى (مثل إسرائيل) اعتمدت على «الوعد الرباني في التوراة» بمنح الأرض لذرية النبي إبراهيم، متناسين أن المسلمين هم أيضاً من ذرية إسماعيل، والإشكالية الكبرى في هذا الطرح أنه يحوّل الأديان إلى ما يشبه تجار الأراضي ومصدري صكوك الملكية لها!
وهذه الأيام وفي خضم الأحداث المتلاحقة في العالم عموماً وفي منطقة الشرق الأوسط منه تحديداً، يستعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لضم مناطق الضفة الغربية، كما هدد بذلك خلال حملته الانتخابية الأخيرة مراراً وتكراراً. لكن الشيء اللافت في هذا الأمر أن هذا الطرح لم يكن بجديد، لأن أول من طرح هذه المسألة كان دينيس روس في عام 2011. دينيس روس، المسؤول عن ملف السلام في منطقة الشرق الأوسط خلال حقبة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، طرح سيناريو ضم إسرائيل للضفة الغربية في كتاب له، وفي جلسة بالكونغرس، وقال بالتحديد إنه «في حال ضم إسرائيل لأراضي الضفة الغربية فسيكون هناك صدام عنيف مع المملكة الأردنية الهاشمية، ولا أريد هنا أن أصنع قلقاً ومناخاً تصادمياً مخيفاً». وإقحام دينيس روس للمملكة الأردنية الهاشمية في سيناريو «ضم الضفة الغربية» يشير بوضوح لأبعاد خطيرة ومهمة جداً تتجاوز جغرافيا الأراضي المستهدفة.
بنيامين نتنياهو صاحب أطول مدة حكم في تاريخ رئاسة وزراء إسرائيل «أغرى» ناخبيه بوعد تورط في تطبيقه، خصوصاً أنه أدلى بهذا الوعد في خضم معركة انتخابية شهدت تنافساً محموماً من منافسه اللدود الجنرال بيني غانتس، وفي الوقت نفسه كان الادعاء العام يلاحقه للمحاكمة بتهمة الفساد، وأصبح في لحظة إدراك وضعف المنصب هو الشيء الوحيد الذي سيمنحه الحصانة القانونية أمام الملاحَقة القضائية، فوعد بأقصى ما يمكن، وهو ضم الضفة الغربية. ولكن في إسرائيل هناك مَن ارتعد رعباً من وعد نتنياهو، لأن هذا الوعد يعني عملياً القضاء التام على حل الدولتين الذي بُنيت عليه مسيرة السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل لأكثر من عقدين الآن. سبب الرعب أن الديموغرافيا التي يتكون منها مجموع سكان إسرائيل الجديدة سيميل بالتدريج وبقوة على المدى البعيد لصالح العرب في إسرائيل الذين يشكلون 22 في المائة من السكان اليوم، يضاف إليهم السكان الفلسطينيون في أراضي الضفة الغربية، وباعتبار إسرائيل «دولة يهودية ذات نظام ديمقراطي»، كما تعرّف نفسها، فإنها على المدى الطويل ستفقد هاتين الصفتين، وبشكل مدهش.
أيضاً مرجعية القرارات الأممية الدولية تثبت للجميع ومع مرور الوقت أنها المرجعية الأخلاقية الأساسية التي يتفق عليها المجتمع الدولي، وأي حل خارج هذا الإطار يصبح هشاً، وفي أحسن حالاته يكون فاقداً للأهلية الكاملة والشرعية الحقة.
في ظل احتفالات العالم بمرور 75 عاماً على إنشاء الأمم المتحدة، الذي يأتي موعده وسط الانشغال بجائحة «كوفيد - 19» وتبعاتها، من المهم إعادة التذكير بأسباب تأسيسها، التي كان من أهم أهدافها تحقيق السلام، وبالتالي فمن البديهي أن أي حل خارج منظومة المنظمة الأممية هو حل ناقص ولن يؤدي إلى السلام.