فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

الجمهورية الإسلامية في لبنان

في حوارٍ تلفزيوني قديم أجراه الراحل غسان تويني، مع محمد حسين فضل الله، يسأله تويني عن مفهوم الدولة الإسلامية، وموقفه من العلمنة، وموقع المسيحيين من الحكومة الإسلامية!
يجيب فضل الله بما خلاصته: أن المسيحيين لديهم صفة المواطنة، ولكنهم لا يتدخلون بالقرار السيادي في الدولة الإسلامية، وحين اعترض تويني معتبراً هذا التبويب الذي لم يحقق إيجابيات العلمنة رد فضل الله بتشبيه وصول المسلمين إلى الحكم بوصول أي حزب سياسي تكون له الغلبة في الإدارة وصناعة القرار.
فضل الله أسس لفكرة «الجمهورية الإسلامية في لبنان» بكتبٍ كثيرة منها: «الحوار الإسلامي المسيحي» وقد تطرقتُ إليه من قبل، ولكن اليوم يبعثها «حزب الله» مجدداً، وسط انصياع مسيحي سببه التيار الوطني الحر.
أما في كتابه «الحركة الإسلامية هموم وقضايا» فيقول فضل الله: «إن التحديات الخطيرة التي تواجه العالم الإسلامي في عقيدته وشريعته وثروته وسياسته واقتصاده وثقافته وأمنه، تفرض على المسلمين التطلع إلى إقامة دولة، أي دولة، تلتزم مواجهة هذه التحديات من موقع الفكر الإسلامي قاعدةً وشريعةً وحركةً، بحيث يكون النهج الإسلامي في استنتاج الفكر هو المتّبع في الاجتهاد الفكري، بشرط أن تنطلق في حركتها السياسية من هذا الموقع، لا أن تكون تابعاً هامشياً للمحاور الدولية الاستكبارية فيما تخطط من خطط، وفيما تحركه من مشاريع، وفيما تثيره من أهداف».
ولا ينتهي عند هذا الحد بل يضيف: «من المفروض أن يفكر الإسلاميون، على مستوى مراجع التقليد أو على مستوى الحركات الإسلامية، في أن الوقوف مع هذه الدولة الإسلامية يمثل الوقوف مع حركة الدعوة الإسلامية من موقعٍ متقدم، لأن الدولة تعطي الدعوة إلى الإسلام حركية عالمية من قاعدة القوة الكبيرة، كما أنها تمثل الوقوف مع حرية المؤمنين وعزّتهم التي أرادها القرآن الكريم قيمة أساسية من قيم الإسلام في الإنسان، إضافة إلى أنها تشكل الفرصة الكبيرة لتطبيق الأحكام الشرعية المنطلقة من اجتهاد إسلامي، قد يختلفون معه في بعض نتائجه، أو في بعض تطبيقاته، ولكنهم لن يختلفوا في الإقرار بأنه ينطلق من القواعد الإسلامية المقرّرة».
بالنسبة إلى حسن نصر الله، فإن لبنان جزء من الجمهورية الإسلامية في إيران، فهو ليس دولة مستقلة. وفي إجابة له متلفزة ومتوفرة ومتداولة يجيب عن سؤال: ما شكل النظام الذي يريده «حزب الله» في لبنان؟! قائلاً: «مشروعنا الذي لا خيار لنا أن نتبنى غيره، كوننا مؤمنين عقائديين، هو مشروع دولة إسلامية وحكم الإسلام، وأن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى، التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق، الولي الفقيه الإمام الخميني، هذه العلاقة أيها الإخوة بالنسبة لنا، فأنا واحد من الذين يعملون في مسيرة (حزب الله)، وفي أجهزته العاملة، لا أبقى لحظة واحدة في أجهزته لو لم يكن لديّ يقين قاطع بأن هذه الأجهزة تتصل عبر مراتب إلى الولي الفقيه القائد المبرئ لذمة الملزم قراره... بالنسبة لنا هذا أمر مقطوع ومُطمأن به».
من المخلّ تناول الجماعات الإرهابية الممثلة سياسياً في حكومات بلدانها من دون الأخذ في الاعتبار أسس إرث المقاومة والبناء العقائدي والآيديولوجي التي بنت عليه كل نظرياتها التدميرية.
«حزب الله» غارق إلى أذنيه بالفساد؛ ما تسرب من تهديدات ماهر الأسد لنصر الله حول المعابر غير الشرعية التي تدرّ لآل الأسد الملايين، والحكومة كلها مرتهنة بالكامل لقرار الحزب ومعركة «معمل سلعاتا» برهان ساطع على ذلك.
الحزب لم تكفه السيطرة على الحكومة في لبنان، وإنما أعاد مؤخراً طموحه التاريخي الذي لم يأخذه على محمل الجد تيار مسيحي له تمثيله القوي في لبنان، هدف الحزب الآن (تغيير أصول الدولة اللبنانية وإعادة بنائها من جديد).
يجب أن تنتهي المهادنة والمجاملة بين الحزب والصرح البطريركي.. ليس صحيحاً أن «حزب الله» منع «داعش» من الوصول إلى جونيه كما تحدث الراعي آنذاك. اليوم «حزب الله» يرمي كل ثقله من أجل هدم الدولة اللبنانية وإعادة بنائها على النمط الإيراني من جديد، لتكون دولة أصولية.
البطريرك رد بهدوء على الحزب وطموحه بتغيير الكيان بأن عمر الدولة الوطنية مائة سنة، حسناً لكن هذه الطريقة في نظري لا تكفي، فالتحدي يمس هوية لبنان، وهيكله المتنوع والمتعدد والليبرالي.
من المؤسف أن تفشل خطط علمنة الدولة، بينما يصعد طموح «حزب الله» لتغيير روح لبنان تدريجياً، وما إحياء الحزب للتوتر المسيحي الشيعي في جرود قضاء جبيل إلا مثال واحد من أمثلة كثيرة.
«حزب الله» يرى السيطرة على الحكومة بات من التقليد السياسي الذي سيستمر وهذا ليس منتهى طموحه، بل عينه على تحقيق هدفه الاستراتيجي المرسوم منذ الثمانينات... تأسيس: «الجمهورية الإسلامية في لبنان».