«كوفيد ـ 19»: تساؤلات حول «مناعة القطيع» واحتمال عودة الإصابة

«كوفيد ـ 19»: تساؤلات حول «مناعة القطيع» واحتمال عودة الإصابة
TT

«كوفيد ـ 19»: تساؤلات حول «مناعة القطيع» واحتمال عودة الإصابة

«كوفيد ـ 19»: تساؤلات حول «مناعة القطيع» واحتمال عودة الإصابة

ما زال خبراء الصحة يتساءلون: كم هو عدد حالات «كوفيد - 19» التي لم يتم اكتشافها؟ وهل أولئك الذين لديهم حالات خفيفة من المرض وربما خفيفة لدرجة أنهم وصفوها بأنها نزلة برد أو حساسية، يكونون محصنين ضد الإصابات الجديدة؟ وإن حدث أن ثبتت تلك الحالات فإن بإمكانها أن تبطئ انتشار الوباء.
- اختبارات وبائية
وتعتبر الإجابة عن هذه الأسئلة أمراً حاسماً لإدارة الوباء والتنبؤ بمساره. لكن الإجابات لن تأتي من الاختبارات التشخيصية القائمة على فحص الحمض النووي الريبي للفيروس التي تجرى الآن لعشرات الآلاف من البشر، حيث يتم البحث عن وجود جينات فيروسية في مسحة الأنف أو البلعوم، وهي علامة على وجود عدوى نشطة. وعادة ما تكون نسبة نجاح نتائج مثل هذه الاختبارات 50 بالمائة أو في أحسن الأحوال 60 إلى 70 بالمائة. ويحتاج العلماء أيضاً إلى اختبار دم الشخص بحثاً عن أجسام مضادة للفيروس الجديد الذي يعرف أيضاً باسم «متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد من النوع الثاني» (SARS - CoV - 2). إذ يمكن لهذه الاختبارات الكشف عن العدوى النشطة حتى في الأشخاص الذين لم يشعروا أبداً بأحد أعراض «كوفيد - 19». لكن الأهم في تلك الاختبارات أنه يمكنها معرفة ما إذا كان الشخص قد أصيب في الماضي لأن الجسم يحتفظ بأجسام مضادة ضد مسببات الأمراض التي تغلب عليها بالفعل.
- مسار الوباء
يمكن أن يوفر اختبار الأجسام المضادة على نطاق واسع بيانات رئيسية للجهود المبذولة لنمذجة مسار الوباء. فقد تختلف التنبؤات الحالية بشكل كبير مما يجعل بعض العلماء يشككون في الحاجة إلى طرق احتواء شديدة مثل عمليات الإغلاق والتباعد الاجتماعي. ومن خلال الإشارة إلى عدد السكان الذين لديهم مناعة بالفعل بسبب العدوى الخفيفة يمكن أن تقدم بيانات الأجسام المضادة مفتاحاً لمدى سرعة استمرار الفيروس في الانتشار. ويمكن لهذه البيانات أن تفيد القضايا العملية مثل ما إذا كان وكيف ستتم إعادة فتح المدارس التي تم إغلاقها.
وقد تم تشخيص حالات قليلة نسبياً بين الأطفال، لكن ليس من الواضح ما إذا كان ذلك بسبب عدم إصابتهم بالعدوى، أم لأن إصاباتهم خفيفة بشكل عام بحيث لا يلاحظها أحد. وستساعد اختبارات الأجسام المضادة طويلة الأمد الباحثين أيضاً على فهم مدة استمرار المناعة ضد الفيروس، وهي مشكلة رئيسية لأي لقاح في المستقبل بالنسبة إلى الفيروسات التاجية الأخرى؟ وقد لاحظ فلوريان كرامر، عالم الفيروسات في كلية إيكان للطب في نيويورك وزملاؤه، أن المناعة بعد الإصابة قوية لأشهر عدة، لكنها تبدأ في التلاشي.
- مناعة القطيع
ماذا تعني مناعة القطيع، وهل هي ناجحة في مواجهة «كوفيد - 19»؟ في أواسط شهر مارس (آذار) الماضي ظهر مصطلح «مناعة القطيع» (أي المناعة الجَمْعية) بالتزامن مع دعوة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى اتباع هذه الاستراتيجية في مواجهة فيروس كورونا المستجد. وتستند هذه الاستراتيجية إلى ممارسة الحياة بشكل طبيعي بحيث يصاب معظم أفراد المجتمع بالفيروس وعندها تتعرف أجهزتهم المناعية على الفيروس وتحاربه إذا ما هاجمهم الفيروس مجدداً.
وعلى عكس التطعيم، فإن مناعة القطيع لا تعطي مستوى عالياً من الحماية الفردية، وبالتالي فهي ليست بديلاً جيداً للتلقيح. ويقول البروفسور مارك وولهاوس، أستاذ علم الأوبئة والأمراض المعدية في جامعة إدنبرة في اسكوتلندا في حديث صحافي، إن مفهوم مناعة القطيع هو «أساس جميع برامج التطعيم». وإن مناعة القطيع يمكن أن تحدث بشكل طبيعي إذا ما تعرض عدد من الناس للعدوى، حيث يولدون أجساماً مناعية مضادة تحد من قدرة الفيروس من الانتشار على نطاق واسع، رغم أنها لن تكبح تماماً تفشي الفيروس أو تمنع انتشاره بشكل كامل، خاصة في المجتمعات التي لم تكتسب المناعة بعد.
من جهته، شكك جيريمي روسمان، أستاذ علم الفيروسات في جامعة كينت البريطانية، في نجاعة هذه الاستراتيجية، وأعرب عن اعتقاده أن مناعة القطيع قد لا تكون فعالة في مواجهة فيروس كورونا، مرجحاً تطور الفيروس جينياً؛ الأمر الذي قد يحتاج إلى طرق جديدة لمكافحته. وأضاف، أن مناعة القطيع يمكن أن تكتسب أيضاً من خلال إعطاء لقاح لعدد كبير من الناس؛ مما يحد من انتقاله إلى الآخرين، لكن هذا الحل غير متوافر في مواجهة فيروس كورونا، حيث إن اللقاح لن يكون متوفراً قبل سنة أو أكثر من الآن على أقل تقدير.
- عودة الإصابة
هل حقاً أن الأجسام المضادة لفيروس كورونا تكونت لدى الكثير من البشر وستحميهم من عودة الإصابة؟ قال خبراء من جامعة بون بألمانيا، إن النتائج الأولية التي توصلوا إليها تظهر أن ما يصل إلى 15 بالمائة من سكان بلدة غانغليت الريفية في منطقة هاينزبرغ، حيث وقعت أول حالات وفاة بالفيروس والتي يطلق عليها اسم «ووهان الألمانية» كانت لديهم اجسام مضادة لــ«كوفيد – 19»، وأن هؤلاء الأشخاص لم تظهر عليهم أعراض، ولم يعتقد في السابق أنهم مصابون. وقال هندريك ستريك، عالم الفيروسات الذي قاد الدراسة مع باحثين آخرين من مستشفى بون الجامعي بألمانيا، إن ذلك قد يعد مؤشراً على إمكانية إزالة أوامر الإغلاق تدريجياً.
وقد أجريت الدراسة على ألف شخص من 400 أسرة بمدينة غانغليت، حيث انتشر الوباء بشكل كبير بحثاً عن الأجسام المضادة التي تكونت لدى البعض ضد المرض. وقال غونتر هارتمان، مدير معهد الكيمياء والصيدلة السريرية الألمانية والمشارك بالدراسة، إن 15 في المائة ليس بعيداً عن الـ60 بالمائة التي نحتاج إليها للوصول إلى «مناعة القطيع»، وفقاً لما ذكرت صحيفة «تلغراف» البريطانية. وأضاف، أن هؤلاء الأشخاص يمكن أن يكونوا بمثابة «حاملين» للمرض، حيث يمكنهم نشره دون أن يعرفوا أنهم مصابون به.
ومع حصانة القطيع بنسبة 60 إلى 70 في المائة، سيختفي الفيروس تماماً بين السكان ولن يعود المسنون في خطر. واعتبر القائمون على الدراسة أنها تمثل سبباً للتفاؤل الحذر. وقال الباحثون، «إن معدل المناعة البالغ 15 في المائة كاف لإبطاء انتشار الفيروس بشكل كبير». من ناحية أخرى، نشرت وكالة «رويترز» في 10 أبريل (نيسان) الحالي مقالاً لجيونغ أون كيونغ، مديرة مركز مكافحة الأوبئة في كوريا الجنوبية، يفيد بأن التقارير الطبية الواردة من هناك توضح إصابة أعداد من المرضى الذين شفوا من وباء «كورونا» في السابق، ويشير التقرير إلى تشخيص 91 حالة لمواطنين أصيبوا بالفيروس للمرة الثانية بعدما تعافوا منه في السابق (ازدادت أعدادهم لاحقاً)، وهو ما يلقي الكثير من علامات الاستفهام حول فهم العلماء لطبيعة الفيروس الجديد وطريقة تفاعله مع الخلايا البشرية، حيث تظن أكثر الدول أن شعوبها ستتمكن من تكوين مناعة ذاتية للفيروس بعد فترة قليلة من انتشاره بما يمنع عودة تفشيه مجدداً؛ وهو الأمر الذي يتضح الآن أنه غير حقيقي.
ويرجح التقرير فرضية أن الفيروس يعاود نشاطه مرة أخرى في بعض المصابين بعدما انتهت أعراض الإصابة.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

علماء يستعينون بـ«الغراء» في تطوير علاج جديد للسرطان

مريضة بالسرطان (رويترز)
مريضة بالسرطان (رويترز)
TT

علماء يستعينون بـ«الغراء» في تطوير علاج جديد للسرطان

مريضة بالسرطان (رويترز)
مريضة بالسرطان (رويترز)

طوَّر علماء يابانيون علاجاً جديداً للسرطان باستخدام مركَّب موجود في الغراء يسمى «أسيتات البولي فينيل PVA».

وحسب موقع «ساينس آليرت» العلمي، فقد أشار العلماء التابعون لجامعة طوكيو في اليابان إلى أن إضافة هذا المركّب إلى مزيج العلاج الإشعاعي المستخدم لعلاج سرطان الرأس والرقبة يؤدي إلى تحسين استهداف الخلايا السرطانية، مما يجعل الخلايا السليمة أقل ضرراً.

ويقول تاكاهيرو نوموتو، كبير مؤلفي الدراسة: «لقد اكتشفنا أن (أسيتات البولي فينيل)، المستخدم في الغراء السائل، يحسّن بشكل كبير فاعلية مركب يسمى D-BPA، يُعرَف بقدرته على استهداف الخلايا السرطانية، والذي تمت إزالته مؤخراً من مكونات كثير من علاجات السرطان حيث عده كثير من العلماء عديم الفائدة، فيما أشار البعض الآخر إلى أنه يستهدف الخلايا السليمة مع الخلايا السرطانية».

وأضاف: «لقد حقق العلاج الجديد إنجازاً كبيراً، إذ كان أكثر انتقائية للخلايا السرطانية بشكل مدهش لا يمكن تحقيقه بالطرق التقليدية وأحدث تأثيرات جذرية».

ووصف مادة «أسيتات البولي فينيل» الموجودة في الغراء بأنها «فريدة من نوعها» ويمكن استخدامها في مجالات متعددة، مشيراً إلى أن أهم ما يميز هذه المادة أنها منخفضة التكلفة.

وقال: «هناك كثير من المطالب في تطوير الأدوية الخاصة بعلاج السرطان وقد ركزت كثير من الأبحاث الحديثة على تركيبات معقَّدة من الجزيئات باهظة الثمن، بحيث لن يستفيد منها سوى عدد محدود من المرضى. وفي هذه الدراسة، كنا نهدف إلى تطوير دواء ذي بنية بسيطة ووظائف عالية بتكلفة منخفضة».

ولفت الفريق إلى أن نتائجهم جاءت بعد إجراء اختبارات معملية لهذا العلاج الجديد، مشيرين إلى الحاجة إلى إجراء مزيد من الأبحاث لإثبات نجاح هذا في التجارب السريرية.

وأكدوا أن مادة «أسيتات البولي فينيل» قد تجعل مدة علاج السرطان أقصر، وتسبب أضراراً جانبية أقل.