أعلنت هيئة النزاهة العراقية في تقريرها السنوي لعام 2019 أن «الأموال العامة التي استُرجعت أو التي صدرت أحكام قضائية بردها، والتي منعت وأوقفت الهيئة هدرها والتي تمت إعادتها إلى حساب الخزينة العامة، بلغ مجموعها تريليونين وثمانمائة وثمانية وأربعين ملياراً ومائة وثلاثة وخمسين ألفاً وثمانمائة واثنين وتسعين (2.848.153.892) ديناراً عراقياً، أو ما يعادل ملياري دولار (يساوي الدولار الأميركي ألفاً ومائة دينار)».
وأشارت الهيئة في تقريرها أيضاً إلى أنها عملت خلال عام 2019 على 239 قراراً قضائياً غيابياً «لتسليم المدانين والمتهمين الهاربين المطلوبين للقضاء. وفتحت 109 ملفات تسليم للمتهمين والمدانين الهاربين، لثبوت مغادرتهم العراق؛ بينهم 3 وزراء ومن هم بدرجتهم، و5 من ذوي الدرجات الخاصة والمديرين العامين. فيما تم العمل على 210 ملفات لاسترداد الأموال المنهوبة؛ منها 5 ملفات متعلقة بوزراء ومن هم بدرجتهم، و52 ملفاً بحق ذوي الدرجات الخاصة والمديرين العامين. كما بلغت قيمة الأموال المستردة بمختلف العملات الآتي: نحو مليار دولار، و12 مليون يورو، ومليوني جنيه إسترليني، و794 مليار دينار عراقي، و721 ألف دينار أردني، و4 آلاف فرنك سويسري».
يذكر أن هيئة النزاهة العراقية مؤسسة حكومية فيدرالية عراقية، لكن لا تقوم بمسح إقليم كردستان العراق. ومن المؤسف أن التقرير السنوي، رغم أرقامه الكثيرة، لا يذكر أسماء الأشخاص المدانين من قبل المحاكم ولا أولئك المدانين الهاربين والملاحقين قضائياً، خصوصاً أن الأحزاب الدينية بأسمائها المتعددة هي نفسها التي تحكم العراق خلال العقدين الماضيين، مما يعني أن الزعماء والقادة أنفسهم لهذه الأحزاب يتناوبون تسلم السلطة طوال هذه الفترة. من ثم؛ يتوجب أن يعرف الرأي العام رسمياً من هم الذين أدانهم أو يلاحقهم القضاء لكيلا يستمروا في نهب أموال البلاد دون رادع شعبي. ومن المعروف أن الحراك الشعبي في كل من العراق ولبنان؛ الدولتين العربيتين تحت النفوذ الإيراني، يتظاهر في أنحاء البلاد منذ بداية فصل الخريف وحتى الوقت الحاضر، من أجل مقاضاة الأشخاص الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة لتعويض المواطنين عن الخسائر المالية والاقتصادية الجمّة التي لحقت بالبلاد.
وتدل المعلومات من العراق على أن هناك أموالاً ضخمة تقدر بمليارات الدولارات تحوّل باستمرار سنوياً إلى إيران؛ إما عن طريق المصارف العراقية التي يشترك في بعض مجالس إداراتها مصرفيون عراقيون وإيرانيون، أو عن طريق مزاد العملات اليومي للمصرف المركزي، أو عن طريق إغراق الأسواق العراقية بالسلع الاستهلاكية الإيرانية. ويدفع العراق، على سبيل المثال، أثماناً عالية جداً وغير تجارية لبعض السلع المستوردة من إيران، فسعر الغاز الإيراني المصدّر للعراق تبلغ قيمته 11 دولارا لمليون وحدة حرارية بريطانية، بينما سعر الغاز المصدّر إقليمياً في الشرق الأوسط يبلغ نحو 6 دولارات للمليون وحدة بريطانية. ويحصّل بعض كبار المسؤولين في الدولة وقادة الميليشيات أموالاً فاسدة، بلغ بعضها مليارات الدولارات، حسب تصريحات مسؤولين سابقين، ليتم تحويلها أو تهريبها إلى الخزينة الإيرانية التي تئن من شحّ الدولار بسبب العقوبات الأميركية للخلاف الأميركي - الإيراني حول تعديل بنود الاتفاقية النووية الإيرانية، بالإضافة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على عدد من المصارف الإيرانية.
ويشيع الفساد في العراق؛ الذي يبلغ عدد سكانه نحو 30 مليون نسمة، ويتراوح ريعه المالي السنوي من الصادرات النفطية (التي تفوق 3 ملايين برميل يومياً من النفط الخام، والثانية مكانةً ما بين صادرات «أوبك»)، بين 70 و80 مليار دولار. لكن نظراً لحجم الفساد الضخم وسوء إدارة الدولة، وبحسب معلومات المؤسسات الدولية، يعاني الشعب العراقي من التالي: 3.5 مليون مهاجر عراقي في الخارج، 4.2 مليون نازح عراقي داخل البلاد، 1.7 مليون من السكان يعيشون في المخيمات داخل العراق، 5.5 مليون عراقي يتيم، مليونا امرأة عراقية أرملة، و6 ملايين عراقي أمي (لا يجيد القراءة أو الكتابة)، وتبلغ نسبة البطالة نحو 31 في المائة، كما أن هناك نحو 35 في المائة من العراقيين تحت خط الفقر. وتقدر نسبة العراقيين الذين يتعاطون المخدرات بنحو 6 في المائة.
- كاتب عراقي مختص في شؤون الطاقة