تغير علم الاقتصاد كثيراً في العقد الثاني من الألفية الثانية، وكان أكثر التغيرات جيداً ونحو الأفضل. مع ذلك لا يزال هناك الكثير من الأمور التي ينبغي القيام بها فيما يتعلق بالصورة العامة لهذا المجال الأكاديمي، وسلامة الطرق التي يتبناها، ونجاح توصياته المتعلقة بالسياسات. فيما يلي بعض الطرق التي ينبغي على علم الاقتصاد تجربتها لتغيير ذاته خلال العقد الثالث من الألفية الثانية.
أولاً: إصلاح تعليم الاقتصاد: لقد أصبح البحث الاقتصادي تجريبياً بدرجة أكبر، لكن لم يتوافق ما يتم تدريسه من مواد لطلبة التعليم العالي بعد مع هذا النهج. على سبيل المثال، أوضحت أدلة جديدة خاصة بالحد الأدنى للأجور، وغيرها من السياسات، أن النظرية الأساسية للعرض والطلب، التي يتم تدريسها ضمن المقررات الدراسية التمهيدية لعلم الاقتصاد، لا تمثل وصفاً جيداً لأسواق العمل. كذلك يمنح بعض الكتب الدراسية البارزة علم الاقتصاد فرصة الميل نحو التحرري على نحو كثيراً ما يتعارض مع الواقع.
على الجانب الآخر لا يتعلم الطلبة في أكثر الأحوال الكثير عن التحليل التجريبي، بمعنى أنهم لا يستطيعون اختبار ما يتعلمونه من نظريات. يتم إحراز بعض التقدم مثل تنفيذ مشروع «كور»، وهو مجموعة من الكتب الدراسية إضافة إلى مواد تعليمية أخرى تؤكد الاعتماد على البيانات. مع ذلك لتحسين عملية تعليم الاقتصاد ينبغي على المعلمين تبني تلك الوسائل والطرق الجديدة.
ُثانياً: جعل الثقافة الاقتصادية أقل عدائية. لقد بدأ بعض علماء الاقتصاد خلال السنوات القليلة الماضية الشكوى من ثقافة الانتقاد العدائي التي هيمنت على الكثير من الحلقات النقاشية، والمراجعات البحثية، والأقسام والدوائر الأكاديمية. إنها ثقافة تتضمن مهاجمة الأفكار ووأدها، وإقصاء النساء والأقليات التي لا تحظى بتمثيل، عن المجال. كذلك تؤدي مثل هذه الثقافة إلى الفكر الجماعي؛ فإذا ما كان من يحدد مدى قوة نظرية هو الشخص الذي يحشد دعم أسوأ عصابة وأعلاها صوتاً، وليس الشخص الذي يستطيع شرح وتوضيح الأدلة، فسوف يتم تقديس النظريات السيئة، واستبعاد النظريات الجيدة. ليصبح علم الاقتصاد علماً حقاً، يحتاج إلى ألا يكون مثل نادي مناظرة في مدرسة ثانوية.
ثالثاً: إصلاح نظام النشر. يهيمن عدد محدود من الدوريات العلمية على مجال النشر في علم الاقتصاد وتستطيع وحدها الاضطلاع بدور مبالغ فيه في عملية تحديد المسار المهني الأكاديمي لأي عالم اقتصاد. يتيح ذلك لمجموعة صغيرة من المحررين السيطرة على توجه المجال، ويضع نظاماً تراتبياً ذا طابع شخصي يكون فيه التقرب من الأشخاص المناسبين مهم بقدر أهمية تقديم أفكار جيدة والتوصل إلى نتائج مهمة. كذلك تميل تلك الدوريات إلى تحديد عدد المقالات التي تنشرها للحفاظ على مكانتها، والإلقاء بالكثير من الأبحاث الجيدة في العدم، وجعل مدة عملية النشر طويلة. تحتاج أقسام الاقتصاد إلى التركيز بدرجة أقل على أفضل خمس دوريات، واستخدام طرق أكثر شمولية لتحديد الترقيات والمدة الوظيفية.
رابعاً: تحسين الاقتصاد الكلي. تسبب الإخفاق في التحذير من الأزمة المالية، والمعارك الطاحنة حول كيفية إصلاح الركود الناتج عنها، في تشوه صورة الاقتصاد الكلي. وأجرى خبراء الاقتصاد الكلي بعض الإصلاحات السريعة لنماذجهم في أعقاب تلك الكارثة، وتمت إضافة بعض العناصر الأكثر واقعية. مع ذلك لن تجدي تلك المحاولات والجهود نفعاً إذا لم يتبنَّ المجال طرقاً أكثر تجريبية. بدلاً من فحص ما إذا كانت نظرياتهم مطابقة للأنماط الشاملة للبطالة والنمو، يحتاج علماء الاقتصاد الكلي إلى بدء فحص كل جزء من نماذجهم، ومطابقته ومقارنته ببيانات تم جمعها بحرص وتأنٍّ، وإذا لم يتلاءم جزء من نموذج ما مع الأدلة، فينبغي حينها التخلص منه.
خامساً: اكتشاف سبب عدم تكيف العمال. اعتاد علماء الاقتصاد افتراض قدرة العمال على التكيف مع الصدمات الاقتصادية الكبرى مثل الركود الذي تشهده المناطق والصناعات، والمنافسة من الخارج، وما إلى ذلك. مع ذلك أشارت الأدلة خلال السنوات القليلة الماضية إلى تلقي المسيرات المهنية لأكثر العمال، الذين انتقلوا بسبب الواردات الصينية خلال العقد الأول من الألفية الثانية، ضربات قوية دائمة. يعني تراجع حركة تنقل العاملين حصول الأميركيين على فرص عمل أقل مما اعتادوا عليه. وبرامج إعادة التدريب الحكومية غير فعّالة بدرجة كبيرة حتى هذه اللحظة. يحتاج علماء الاقتصاد إلى التركيز عند كتابة المراجع على مسألة سبب عدم تكيف العمال بشكل جيد، وكيفية مساعدتهم في الوقوف على أقدامهم مرة أخرى.
ثالثاً: إعادة النظر في برامج الرفاهية. أدَّى غياب المساواة بدرجة أكبر، وتكيف سوق العمل ببطء، واستمرار الفقر، إلى تزايد الدعوات إلى إعادة التوزيع. تشير أدلة جديدة إلى أن برامج مثل برامج الدخل الأساسي، أقل ضرراً مما يُعتقد، في حين للبرامج، التي تدفع الناس نحو الحصول على وظائف، قدر أقل من الأهمية.
على الجانب الآخر يظل السؤال المهم هو: هل المنافع المستهدفة مثل إعانات رعاية الأطفال، وبطاقات الإسكان لها مكان في دولة الرفاهية، أو هل ينبغي منح الفقراء نقوداً لينفقوها كما يريدون؟ يستحق السؤال الخاص بكيفية عمل تصور لدولة رفاهية فعالة وعادلة ومستدامة تلائم القرن الحادي والعشرين الكثير من انتباه علماء الاقتصاد.
سابعاً: دراسة الأنظمة الاقتصادية المقارنة بشكل أكبر. يميل علماء الاقتصاد نحو تجاهل النظم الاقتصادية المقارنة هذه الأيام، فكثيراً ما يتم افتراض أن إخفاقات الشيوعية قد أثبتت أن السوق الحرة المتضمنة لنوع ما من إنفاق الرفاهية القائم على إعادة التوزيع هو النظام النهائي الأمثل. مع ذلك يعني ظهور تكنولوجيا المعلومات، والتحول نحو المجالات الخدمية، وعودة شعبية السياسات الصناعية، وتزايد أهمية الاستدامة، اختلاف النظم الاقتصادية بشكل كبير في الوقت الراهن. في الوقت ذاته يتزايد عدم جدوى الانقسام القديم بين الرأسمالية والاشتراكية في وصف كيفية عمل النظم الحديثة. ينبغي على علماء الاقتصاد العودة إلى جذورهم، ودراسة نقاط القوة والضعف في النظم المختلفة، التي تم ابتكارها في الصين، وأوروبا، وغيرها من البلدان.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»