طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

عيون ترصد الموتى!

كان السؤال الذي تردد بقوة بمجرد نشر خبر رحيل هيثم أحمد زكي، هل مات بسبب جرعة زائدة؟ هناك إحساس لدى قطاع من الرأي العام، أن التعاطي ظاهرة عامة بين الفنانين، وأن القاعدة هي كل فنان متعاطٍ حتى يثبت العكس.
جاءت الإجابة قاطعة، من خلال الطب الشرعي، تؤكد أن الوفاة طبيعية، هبوط حاد في الدورة الدموية... هيثم لا يتعاطى مخدرات، بل كان يحرص على الذهاب يومياً لـ«الجيم»، وربما تناول بجرعة زائدة مكملات غذائية مصرح بها، فهي تباع في مصر من دون «روشتة» طبية. كان هيثم مثل عدد كبير من نجوم هذا الزمن، يحرص على بناء جسده من أجل أن يُصبح صالحاً لأداء أدوار الأكشن والحركة، التي باتت في الأعوام الأخيرة مسيطرة على الشاشتين الكبيرة والصغيرة. هناك الكثير من التفاصيل تصاحب موت المشاهير، كانت هناك محاولة لتوجيه اتهام لأصدقاء لأحمد زكي، لأنهم لم يقفوا داعمين لابنه بعد رحيله، وأنه قد عانى كثيراً بسبب هذا التجاهل.
تحول المؤشر الإعلامي مصرياً وعربياً صوب هيثم، وبدأوا في سرد مسيرة الفنان الشاب الذي لم يتجاوز عمره 34 عاماً، ورحلت أمه الفنانة هالة فؤاد في العمر نفسه، كما أن أحمد زكي تعدى بقليل 50 عاماً من العمر، ومات خاله الذي كان يرعاه بعد رحيل أحمد، ولم يتبق له أحد، حتى أخوه الوحيد غير الشقيق يعيش في لندن.
الاتهام لاحق أهله البسطاء في محافظة الشرقية، لأنهم لم يتسلموا الجثمان، حيث تولى ذلك نقيب الممثلين أشرف زكي، واكتشفنا أنهم كانوا متواجدين في المشرحة، ولكن في الزحام لم يتعرف عليهم أحد، ولهذا حرصوا على إقامة عزاء في قريته.
أحمد لم يدفع بابنه للساحة الفنية، على عكس أغلب النجوم، برغم أن لديه قناعة بأن هيثم موهوب، وقال ذلك للمخرج شريف عرفة، إلا أنه طلب من هيثم قبل أن يبدأ مشواره في التمثيل، أن يُنهي أولاً دراسته الجامعية. غير صحيح أنه رشحه لدور عبد الحليم شاباً، لسبب بسيط أن أحمد كان مُصراً على أن يلعب هو الدور، رغم أن المخرج كان يرى استحالة ذلك، ولكن شريف هو الذي تحمس له بعد رحيل أحمد.
الفنانون من أصدقاء أحمد هل كان عليهم مثلاً أن يسعوا وراء هيثم، ويسندوا له الأدوار، كان هذا هو الاتهام الذي لاحقهم، والحقيقة أن هيثم كان يميل للعزلة، وبالتالي العثور عليه كان صعباً. لقد ورثها عن أبيه، ولكن الفارق، أن أحمد زكي أصابته أعراض العزلة والاكتئاب في عز شهرته، وكان من الممكن أن تنتظره شركات الإنتاج حتى يصبح مستعداً للتصوير، بينما هيثم عانى من كل ذلك قبل أن يتحقق كنجم جماهيري.
رحلته الفنية قصيرة، كان يحرص على أن يظل فقط هيثم، بينما الناس انتظرت أن يطل عليهم مجدداً أحمد زكي، متجاهلين أن هيثم لو لم يكن ابناً لأحمد، كان أيضاً سيحترف الفن، وأنه لم يستفد أبداً من اسم والده.
هل كان الإعلام حريصاً على وداع هيثم بما يليق به، أم أن العيون التي كانت من المفروض ترصد مشوار هيثم الفني، كان يشغلها شيء آخر؟ مع الأسف كان يشغلهم فقط، رصد النجوم في يومي الجنازة والعزاء، ومحاولة اكتشاف حقيقة مشاعرهم، وصدق دموعهم على هيثم أحمد زكي!!