الزار طقس سري يكاد ينقرض الآن من مصر. أما الهدف من عمل الزار فهو التخلص من المس الشيطاني؛ بمعنى إخراج الجن الذي يلبس المرأة أو الرجل. وأعتقد أن الزار له جذور فرعونية، فلا نسمع عنه في أي دولة إسلامية أو عربية. وموضوع الهبات أو القربان والتغلب على الجن بالسحر والسيطرة عليهم بمعرفة علوم ما وراء الطبيعة والتمكن من قوى غير محسوسة لها القدرة على إخضاع الجن، كل هذا موجود في عالم الفراعنة، والذين شهد لهم القرآن الكريم بعظمة سحرهم.. وقد شاهدت وأنا طفل صغير في قرية العبيدية بمحافظة دمياط حادثة لا تُمحى من ذاكرتي.. حيث كانت تقيم بجوارنا سيدة مريضة احتار الأطباء في علاجها أو حتى تشخيص الداء الذي تعاني منه، فما كان من أهل البيت سوى أنهم جاءوا بشخص غريب الهيئة له شعر طويل كالنساء! وكانت المرة الأولى التي أسمع فيها كلمة زار ولم أفهم معناها. وعندما سألت عن الزار قيل لى إنه يعني طرد الأسياد، أي الجن الذي يسكن داخل السيدة المريضة.
وقد قابلت منذ أيام المصور المعروف شريف سنبل، والذي قام بمغامرة مثيرة لمحاولة معرفة أسرار عالم الزار الخفي والتقرب من «الكوديا»، وهو اسم السيدة التي على حد قولهم تستطيع أن تسيطر على الأسياد الموجودين داخل الشخص المريض.. وتبدأ الحكاية بالشخص المريض الذي يذهب للكثير من الأطباء ويجد أن أمل الشفاء غير موجود؛ لذلك يشار عليه من خلال ضعاف النفوس والإيمان بلقاء «الكوديا»، وهي التي تستطيع أن تكشف ما بداخله من أسرار، ولها أسلوب للسيطرة على الجان.. وعندما يزور الشخص «الكوديا» يترك لها أثرا منه، أي منديل أو قطعة من ملابسه بها رائحة عرقه، ويقال إن «الكوديا» تنام على هذا الأثر لمدة أسبوع، وبعد ذلك يحضر هذا الشخص لمقابلة «الكوديا»، وفي الحضرة يتم عزف أغانٍ شعبية، وأنغام غريبة وطبول.. ويقال إن كل نغمة من الأغاني خاصة بواحد من الأسياد، فهناك الجن الأحمر والأزرق، وعندما يسمع الشخص المريض هذه النغمات يقوم فجأة بالرقص عليها، رغما عنه؛ وفي النهاية يغمى عليه ويرتمي على الأرض.. وبعد ذلك تعلن «الكوديا» أن الجن الفلاني داخل المريض، فإذا كان مثلا من أسياد المياه فيحضرون سمكا أسود مخصوصا يأخذون دمه ويضعونه على المريض، وإن كان من الجن الأزرق يتم عمل الزار داخل مغارة في الجبل، ويقومون في هذا المكان بذبح فرخة ويسال الدم على رأس المريض، بشرط أن يظل الدم على جسمه لمدة أسبوع كامل لا يستحم أو لا تستحم. و90 في المائة من الحالات التي تلجأ للزار من النساء، وغالبًا ما تكون القصة مرتبطة بعشق بعض الجان للسيدة أو الفتاه.
ومن صفات الكوديا أن تكون ذات شخصية قوية وبصحة جيدة جدًا؛ وصوت مميز ونظرات ثاقبة مرعبه.
لا يزال الزار موجودا؛ رغم ندرته الأن، وقد يقول البعض أن الجهلة هم الذين يقومون، بذلك ولكن المفاجأة أن هناك الكثير من المتعلمين والحأصلين على أعلى الدرجات العلمية يلجئون للزار بعد أن أصابهم اليئس من حياتهم نتيجة لمرض مزمن. ولذلك تنصب حلقات الزار والطبل والزمر حتى يستجيب الأسياد ويتركوا أجساد البشر..
7:26 دقيقه
TT
الزار
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
