لم يبالغ رؤساء الولايات المتحدة، عبر 30 إدارة أميركية متعاقبة، في منح إيران الوصف الذي تستحقه على المشهد العالمي: الدولة الأولى في رعاية الإرهاب. وفُرضت عقوبات شتى على قادة وزعماء التيارات السياسية، والعسكرية، والاستخبارية الإيرانية، في حين أن الوكلاء، والميليشيات المسلحة، وجماعات الإرهاب المدعومة والممولة من إيران قد واجهت جميعها مختلف صنوف العمليات العسكرية فضلاً عن العقوبات الاقتصادية سواء بسواء.
وحتى الآن، وبرغم كل شيء، تظل المنظومة الإيرانية الرئيسية الأولى والمعنية، بل والضالعة حتى النخاع في أعمال تأسيس، وتمويل، وتدريب العديد من الجماعات المسلحة والإرهابية، لم تستوفِ حقها اللازم من التوصيف والتصنيف كمثل ما استوفته جماعات موالية أخرى كحزب الله اللبناني على سبيل المثال. ويوم الاثنين الماضي، عزز الرئيس دونالد ترمب من تلك السابقة السياسية معلناً عن إدراج فيلق الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية.
ويعد هذا التصعيد من جانب الرئيس الأميركي أمراً خطيراً، فهناك فارق معتبر بين توصيف الدولة بأنها راعية للإرهاب الدولي وإدراج ذراع من الأذرع الفاعلة لنفس الدولة على قوائم المنظمات الإرهابية. فذلك التصنيف يضفي المزيد من السمية على موارد تمويل الحرس الثوري الإيراني بأكثر مما عليه الأوضاع الراهنة، كما يقول مارك دوبويتز الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.
وما زلنا حتى الآن قيد الحد الأدنى من جهود إثبات توفير الدعم المالي المباشر من قبل أي شخص إلى الحرس الثوري الإيراني. كما أن التصنيف الذي أولته الإدارة الأميركية للحرس الإيراني يخول لها إلغاء تأشيرة الدخول إلى البلاد إزاء أي مواطن غير إيراني يجري، بصفة متعمدة أو غير متعمدة، الأعمال التجارية مع الشركات المتفرعة عن الحرس الثوري الإيراني. وتعد هذه الخطوة من أكبر مثبطات التعامل والاستثمار الأوروبية مع إيران، على حد قول السيد دوبويتز، نظراً لتفشي أذرع الحرس الثوري وشركاته في أغلب أركان الاقتصاد الوطني الإيراني.
منذ الثورة الإيرانية في عام 1979 والحرس الثوري الإيراني، وعلى رأسه فيلق القدس الشهير بجنراله قاسم سليماني، معني كل العناية بملف تصدير الثورة الإيرانية إلى الخارج. ورغم جهود الإدارات الأميركية السابقة جميعاً، لم توقف إيران أبداً دعمها المستمر للمنظمات الإرهابية. وفي واقع الأمر، وفي أعقاب الانتهاء من جولات المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني مع مختلف القوى الدولية في عام 2015. وابتغى الحرس الثوري منهجاً أكثر عدائية في دعم وكلاء الإرهاب في كل من العراق، ولبنان، وسوريا، واليمن.
أما وقد أشرنا لذلك، فهناك نقطتا اعتراض رئيسيتان إزاء الخطوة المتخذة من جانب واشنطن. الأولى أن التصنيف الأميركي الأخير قد يحفز إيران على استهداف القوات الأميركية المنتشرة في غير موضع من منطقة الشرق الأوسط. وكان دان كوتس، مدير وكالة الاستخبارات الوطنية الأميركية، قد أشار إلى هذه الفرضية بصفة غير مباشرة خلال شهادته أمام الكونغرس في يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، إذ قال: «نرى أن أوجه التفاعل غير الاحترافية من جانب بحرية الحرس الثوري الإيراني حيال السفن الحربية الأميركية في الخليج العربي، والتي انخفض معدل تواترها خلال العام المنصرم، من شأنها معاودة الصعود إذا ما تخيرت إيران انتهاج مقاربة استعراض العضلات في مواجهة شتى الضغوط الأميركية الممارسة عليها». وكانت إحدى الصحف الأميركية قد ذكرت جملة من الشواغل المماثلة والشائعة بين مختلف كبار مسؤولي الجيش والاستخبارات في الولايات المتحدة.
وتفادياً للسقوط في خطأ التقدير، فمثل هذه التهديدات حقيقية. وبالفعل، تعهد المسؤولون الحكوميون الإيرانيون باتخاذ رد الفعل المناسب حيال الخطوة الأميركية الأخيرة. ويكمن الخطأ في الاعتقاد بأن ممارسة الضغوط وحدها هي المثيرة لاستفزاز طهران في المنطقة. كذلك كانت المناشدات والالتماسات في الفترة المفضية إلى مرحلة التنفيذ النهائي للاتفاق النووي الإيراني بعام 2015، ومنها على سبيل المثال، الاحتجاز المؤقت للبحارة الأميركيين كرهائن لدى بحرية الحرس الثوري الإيراني ونشر الفيديو المثير للإهانات في أعقاب الإفراج عنهم.
ووجه الاعتراض الثاني أن التصنيف الأميركي يؤكد على تقويض أركان الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. وأشارت إلى هذه النقطة مجموعة تقدمية من الموظفين السابقين في إدارة الرئيس باراك أوباما في تغريدة عبر «تويتر» نُشرت الاثنين الماضي. وجاء فيها أن القرار الأميركي يعد محاولة لردع الاستثمارات الخارجية في إيران، وربما يفضي إلى استثارة الجانب الإيراني إلى تجاوز حدود الاتفاق المبرم فيما يتعلق بملف تخصيب اليورانيوم، وهو الأمر الذي التزمت به الحكومة الإيرانية إلى حد كبير منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي قبل نحو عام في إدارة الرئيس ترمب.
ويحيل البعض نقطة الاعتراض الأخيرة إلى صالح الرئيس ترمب وسياسته. إذ يقول السيد دوبويتز، الذي يؤيد الخطوة الأميركية المتخذة: «يزيد التصنيف الأميركي الأخير من صعوبة الأمر على أي رئيس ديمقراطي للولايات المتحدة في عام 2021 لمعاودة التفاوض بشأن الاتفاق النووي الإيراني». وأي إدارة أميركية قادمة سوف يتعين عليها اتخاذ القرار الصعب بشأن رفع الحرس الثوري الإيراني من تصنيفات المنظمات الدولية الراعية للإرهاب.
والقول بأن حرس إيران الثوري لم يعد ضالعاً في أعمال الإرهاب الخارجية، هو كمثل القول بأن دائرة الإيرادات الداخلية الأميركية لم تعد الجهة الحكومية المعنية بتحصيل الضرائب في الولايات المتحدة سواء بسواء. إن الأمر يسري في شرايين ودماء التنظيم الإيراني. وهذا هو السبب وراء بيان الرئيس الأميركي الذي ذكر فيه أن التصنيف المذكور «يؤكد على حقيقة أن الأعمال الإيرانية تختلف اختلافاً جوهرياً وكبيراً عن أعمال الحكومات الطبيعية الأخرى».
وتلك هي النقطة التي حاول الاتفاق النووي الإيراني «ضيق الأفق» المراوغة والفرار منها، وذلك من خلال التعامل فقط مع الملف النووي الإيراني وليس مع ملف دعم الإرهاب الدولي. والآن، ووفق الإعلان الأميركي الأخير، تعترف حكومة الولايات المتحدة على نحو رسمي أن جزءاً رئيسياً لا يتجزأ من الجيش الإيراني لا يمكن تمييزه بحال عن الجماعات الإرهابية المسلحة، التي واصلت طهران دعمها وتمويلها وتدريبها منذ عقود. وتبدأ استراتيجية الرئيس ترمب، على خلاف سياسة سلفه المعتمدة، بافتراض أن إيران دولة مارقة وخارجة عن القانون الدولي، ثم التعامل معها من هذا المنطلق حتى يتغير هذا السلوك.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT
ترمب وتفسير غايات إيران الإرهابية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة